اقتصاد

إصدار جديد من فئة 20 دينارًا يثير الجدل الاقتصادي

هل يؤدي ضخ العملة الجديدة إلى تفاقم التضخم؟

في خطوة تعكس تحولات السياسة النقدية في ليبيا، أعلن مصرف ليبيا المركزي عن إصدار جديد من فئة 20 دينارًا، مصنوع من مادة البوليمر، وممهور بتوقيع المحافظ ناجي محمد عيسى. هذه الخطوة التي دخلت حيز التنفيذ اعتبارًا من 20 مارس2025، جاءت في إطار استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة هيكلة العملة الوطنية، إلا أنها سرعان ما أثارت انقسامًا حادًا في الأوساط الاقتصادية بين مرحب بها ومحذر من تداعياتها التضخمية.

الإصدار الجديد: بين الحاجة والتخوفات

على الرغم من أن مصرف ليبيا المركزي أكد أن الورقة النقدية الجديدة ستُطرح بالتوازي مع الإصدارات السابقة، إلا أن ذلك لم يبدد المخاوف المتزايدة بشأن إمكانية تسببها في زيادة المعروض النقدي، ما قد يؤدي إلى تضخم مفرط في الاقتصاد الليبي الذي يعاني أصلًا من انقسامات مؤسسية وضعف الثقة في القطاع المصرفي.

يرى الخبير الاقتصادي عبد الهادي الأسود أن المشكلة لا تكمن في شكل العملة، بل في السياسات النقدية التي تحكم تداولها. ويقول في تصريح لـ”العربي الجديد”: “لدينا اقتصاد يعاني من انقسامات حادة ومعدلات تضخم مرتفعة. إن أي ضخ جديد للنقد دون سياسات نقدية متوازنة قد يؤدي إلى تفاقم المشكلة بدلًا من حلها”.

من جهة أخرى، يعتبر المصرفي معتز هويدي أن إصدار العملة الجديدة يأتي في إطار خطة مدروسة لسحب فئة 50 دينارًا من التداول، مشيرًا إلى أن هناك نحو 12 مليار دينار من هذه الفئة سيتم سحبها من السوق في شهر أبريل/نيسان المقبل. ويوضح أن هذا الإجراء لن يؤدي إلى زيادة المعروض النقدي، بل سيحافظ على استقرار السيولة النقدية، وهو ما يعد جزءًا من استراتيجية لإدارة العملة بفاعلية أكبر.

طباعة 30 مليار دينار: حل أم تفاقم للأزمة؟

ضمن خطة مصرف ليبيا المركزي، أعلن عن طباعة 30 مليار دينار ليبي بالتعاون مع شركة “دي لا رو” البريطانية، على أن تشمل هذه العملية طباعة فئات مختلفة، من بينها 5 و10 و20 دينارًا، بهدف إحلال العملة القديمة تدريجيًا. هذه الخطوة أثارت بدورها تساؤلات حول ما إذا كانت ستساهم في تعزيز الاستقرار النقدي أو ستؤدي إلى مزيد من الضغوط التضخمية.

الخبير المالي صبري ضوء يرى أن القضية لا تقتصر فقط على المعروض النقدي، بل تمتد إلى غياب الإصلاحات الاقتصادية العميقة. ويقول: “النقود ليست مجرد أوراق تُطبع، بل هي أداة اقتصادية يجب أن تُدار بحذر. إذا لم تُرافق هذه الخطوة بسياسات مالية متوازنة، فإن التضخم سيستمر في استنزاف القوة الشرائية للمواطنين”.

تمديد قبول فئة 50 دينارًا: محاولة لتجنب الفوضى

بالتزامن مع طرح الإصدار الجديد، أعلن مصرف ليبيا المركزي عن تمديد قبول الورقة النقدية من فئة 50 دينارًا حتى 30 أبريل للمصارف التجارية و8 مايو/أيار 2025 للمصرف المركزي، في خطوة تهدف إلى تقليل مخاطر استبدال العملة وإدارة المعروض النقدي بسلاسة.

لكن هذا القرار لا يبدو كافيًا بالنسبة للعديد من الاقتصاديين الذين يرون أن المشكلة الرئيسية تكمن في حجم العملة المتداولة خارج القطاع المصرفي، والذي بلغ 45.9 مليار دينار حتى نهاية 2024، دون احتساب العملة المطبوعة في روسيا والتي تُقدر بـ23 مليار دينار. هذه الأرقام تعكس بوضوح تراجع الثقة في قدرة المصارف على توفير السيولة النقدية، فضلًا عن استمرار الهشاشة الأمنية التي تدفع المواطنين إلى الاحتفاظ بأموالهم في منازلهم بدلًا من إيداعها في البنوك.

إصلاحات مالية أم مجرد تغيير شكلي؟

السؤال الأهم الذي يطرحه المراقبون الآن هو: هل يمثل إصدار فئة 20 دينارًا الجديدة وإجراءات سحب بعض الفئات القديمة جزءًا من إصلاح مالي حقيقي، أم أنه مجرد تغيير شكلي لا يعالج جذور الأزمة النقدية في ليبيا؟

يؤكد العديد من الخبراء أن نجاح هذه الإجراءات يتوقف على مدى قدرة السلطات المالية على تبني سياسات نقدية شاملة تتضمن ضبط سوق الصرف، تعزيز الثقة بالمصارف، وإعادة هيكلة الاقتصاد لتقليل الاعتماد على السيولة النقدية في المعاملات اليومية. حتى ذلك الحين، ستظل المخاوف قائمة حول مستقبل الاقتصاد الليبي وتأثير هذه التغييرات على مستوى التضخم والاستقرار المالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى