حماس تدرس مقترح الهدنة الأمريكية وتواصل المشاورات
نتنياهو يعرقل الاتفاق.. والحرب تستمر بغطاء أمريكي

في ظل المشهد الفلسطيني المحتدم، تواصل حركة “حماس” دراسة المقترح الأمريكي الذي قدمه المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، والذي ينص على إطلاق نصف المحتجزين المتبقين لدى الحركة، مقابل تمديد الهدنة وبدء مفاوضات حول وقف دائم لإطلاق النار. هذه المبادرة، التي تخضع للمداولات مع الوسطاء الإقليميين، مصر وقطر، تُواجه بواقع أكثر تعقيدًا على الأرض، حيث لم تتوقف آلة الحرب الإسرائيلية عن حصد أرواح المدنيين، مما يجعل فرص تحقيق هدنة دائمة أمرًا بالغ الصعوبة.
حماس تناور سياسيًا.. والوساطة مستمرة
تدرك “حماس”، كما يبدو من تصريحات قادتها، أن المفاوضات ليست سوى مرحلة من مراحل المعركة الدائرة، فالمعطيات السياسية والعسكرية لا تزال متأرجحة بين مسارات متباينة. الحركة تؤكد أنها مستمرة في الاتصالات مع الوسطاء، دون أن تكون هناك ضمانات حقيقية لتنفيذ الاتفاق، إذ إن سجل الاحتلال الإسرائيلي حافل بالتنصل من الالتزامات، والتلاعب بالعهود، والمماطلة السياسية التي تحول دون الوصول إلى حلول جذرية.
نتنياهو.. عقبة الاتفاق المتعمدة
على الجانب الآخر، تبدو الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو غير مكترثة بالجهود الدبلوماسية، فالأولوية لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي تتمثل في بقائه السياسي، وليس حياة المحتجزين الإسرائيليين أو حتى وقف القتال. نتنياهو، الذي يواجه ضغوطًا داخلية غير مسبوقة، يبدو متمسكًا بسياسة المناورة والمراوغة، محاولًا إطالة أمد الحرب من أجل تحقيق مكاسب سياسية تعزز من موقعه المتهاوي.
حماس ترفض إدارة غزة.. وتتمسك بالتوافق الوطني
في خضم هذا المشهد المتشابك، أكدت “حماس” أنها لا تسعى لأن تكون جزءًا من إدارة غزة، مشيرة إلى أنها تدعم أي ترتيبات تحظى بتوافق الجميع. هذه الإشارة الواضحة من الحركة تأتي في وقت حساس، حيث تثار التساؤلات حول مستقبل قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب، وهل سيظل تحت سيطرة حماس أم ستشهد الساحة الفلسطينية تحولات جوهرية تفرض واقعًا جديدًا؟ في هذا السياق، أوضحت “حماس” أنها وافقت على تشكيل لجنة إسناد مجتمعي في غزة، لا تتضمن الحركة، ما يؤكد رغبتها في عدم الانفراد بالحكم، بل السير وفق رؤية وطنية شاملة.
الغطاء الأمريكي للحرب.. هل واشنطن طرف مباشر؟
ما يزيد تعقيد المشهد هو الدور الأمريكي المتذبذب، ففي الوقت الذي تتحدث فيه واشنطن عن جهود للوساطة وإيقاف القتال، تتهمها “حماس” بمنح الاحتلال غطاءً سياسيًا لاستئناف الحرب على غزة. الإدارة الأمريكية تبدو وكأنها تمسك العصا من المنتصف، فهي تواصل تقديم الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل، بينما تتظاهر في الوقت ذاته بالسعي لإقرار تهدئة، في ازدواجية واضحة تعكس مصالحها الإقليمية المعقدة.
إسرائيل تواصل المجازر.. والمقاومة مستمرة
ميدانيًا، استأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية فجر الثلاثاء الماضي، بحجة رفض “حماس” لمقترحات أمريكية تمدد وقف إطلاق النار، ما أسفر عن شن أكثر من 35 غارة على مناطق متفرقة بقطاع غزة، مخلّفة وراءها أكثر من 420 شهيدًا ومئات الجرحى. المجازر الإسرائيلية المتواصلة منذ 7 أكتوبر 2023، أسفرت حتى اللحظة عن أكثر من 160 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى ما يزيد عن 14 ألف مفقود، في كارثة إنسانية غير مسبوقة.
نتنياهو يماطل في تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق
وفقًا لتطورات الأحداث، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرفض المضي قدمًا في تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، إذ يسعى إلى إطلاق سراح مزيد من المحتجزين الإسرائيليين دون تقديم أي تنازلات حقيقية، وعلى رأسها وقف الحرب والانسحاب من غزة بشكل كامل. هذا التعنت الإسرائيلي يعكس استراتيجية واضحة، تهدف إلى إطالة أمد الصراع بغية فرض أمر واقع جديد على الأرض، دون الالتزام بالاتفاقات المطروحة.
ختامًا.. أين تتجه الأوضاع؟
في ظل استمرار القصف الإسرائيلي، وغياب أي رؤية حقيقية للحل، يبقى الوضع في غزة مرشحًا لمزيد من التصعيد. حماس تواصل المناورة السياسية، بينما تصر إسرائيل على تنفيذ أجندتها العسكرية دون أي اكتراث بالمجتمع الدولي. في المقابل، يظل الموقف الأمريكي محاطًا بعلامات الاستفهام، فهل ستتحول واشنطن إلى وسيط نزيه يمارس الضغط الحقيقي على الاحتلال لإنهاء الحرب، أم ستبقى تدور في فلك ازدواجية المعايير التي لطالما ميزت سياساتها الخارجية في المنطقة؟ الأيام المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة عن هذا التساؤل، لكن ما هو مؤكد أن غزة ما زالت تدفع الثمن الأغلى.