ليبيا

تقاليد عيد الفطر في ليبيا: بين الأصالة والتحوُّلات الحديثة

عيد الفطر في ليبيا: تراث يتنفس بين زحام الحداثة والتحديات

في وقتٍ تزدحم فيه الأسواق الليبية بالمتسوقين الباحثين عن ملابس العيد والحلويات، يحمل عيد الفطر هذا العام مزيجاً من التقاليد المتوارثة وتحولات العصر الحديث. فبين أزقة طرابلس وبنغازي، تتناثر مظاهر الفرحة مع اقتراب العيد، لكنها لا تخلو من تعقيدات اقتصادية واجتماعية تُعيد تشكيل ملامح الاحتفال.

الأسواق: بين الزحام والتحول

منذ منتصف رمضان، شهدت الأسواق حركةً غير عادية، خاصة في أحياء مثل أبوسليم في طرابلس وشارع فنيسيا في بنغازي، حيث تتنافس المحلات لعرض أحدث الأزياء. لكن اللافت هذا العام هو انتشار الأسواق المتخصصة خارج المراكز التقليدية، وهو ما يرى فيه البعض راحةً من الازدحام، بينما يأسف آخرون على اختفاء أجواء التسوق الجماعي التي كانت تُعتبر جزءاً من طقوس العيد.

السيدة أم طيبة الترهوني من جنزور تُعبّر عن حنينها للأيام التي كانت تتجول فيها مع جاراتها لشراء ملابس الأطفال سيراً على الأقدام. أما اليوم، فقد حلَّت الأسواق المتنوعة محل تلك الأجواء، مما جعل التحضير للعيد “مهمة فردية” أكثر منها مناسبةً اجتماعية.

الملابس التراثية: عودة بقوة.. ولكن!

في المقابل، يشهد قطاع الملابس التقليدية إقبالاً ملحوظاً، خاصة من الشباب الذين يعيدون إحياء الأزياء مثل “كاط ملف” و”الجلابية الطرابلسية”. عبد الكريم العالم من تاجوراء يرى في هذه الظاهرة تعزيزاً للهوية الوطنية، لكنه ينتقد استغلال بعض التجار لهذا الاتجاه برفع الأسعار بشكلٍ مبالغ فيه.

ويُضيف العالم أن تأخر صرف رواتب الموظفين زاد من معاناة الأسر، حيث يعجز الكثيرون عن توفير متطلبات العيد. سراج عون، تاجر ملابس في أبوسليم، يؤكد أن القوة الشرائية تراجعت رغم الازدحام، مُلقياً باللوم على الحكومة بسبب الضرائب التي تسببت في ارتفاع أسعار المستوردات.

من العصيدة إلى المقابر: طقوس لا تتبدل

تبدأ طقوس العيد في ليبيا بوجبة العصيدة، تليها صلاة العيد ثم تبادل التهاني بين الجيران. ولا تزال موائد الحلويات مثل “المقروض والغريبة” رمزاً للكرم، رغم اتجاه بعض الأسر لشراء الحلويات جاهزةً بدلاً من صنعها في المنزل.

أما اليوم الثاني للعيد فيُخصص لزيارة المقابر، خاصةً للأسر التي فقدت أحد أفرادها حديثاً. وتظل هذه العادة مُقدسة، كتعبير عن التواصل بين الأحياء والأموات.

التكنولوجيا والتكافل الاجتماعي: تحديات جديدة

في ظل انتشار الوسائل الرقمية، بدأت المعايدات التقليدية تفقد بريقها. عيسى الواحل من مسلاتة يأسف لتحول التهنئة إلى “منشورات جامدة” على فيسبوك، بينما كانت المكالمات والزيارات تُذكّر بالتواصل الإنساني الحقيقي.

من ناحية أخرى، تبرز الجمعيات الخيرية كفاعل رئيسي في دعم الأسر الفقيرة عبر توزيع زكاة الفطر. حسن بركان من جمعية التيسير يشير إلى تضاؤل التبرعات بسبب الخلافات حول إخراج الزكاة نقداً أو عيناً، مما يزيد من صعوبة مساعدة المحتاجين.

ختاماً: عيد بين مطرقة التحديات وسندان الأصالة

رغم كل التغيرات، يظل عيد الفطر في ليبيا مناسبةً تجمع بين الفرح والتراحم. لكن التحديات الاقتصادية والتحولات الاجتماعية تُذكّر بأن الحفاظ على التقاليد يتطلب أكثر من مجرد ذكريات.. يتطلب وعياً جماعياً بضرورة توازن بين الأصالة والحداثة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى