الصلح: المركزي فقد استقلاليته وسعر الصرف غير واقعي
الصلح: إصلاح الاقتصاد مرهون باستقلال المركزي وتكامل السياسات

في خضم تعقيدات المشهد الاقتصادي الليبي، خرج أستاذ الاقتصاد والمحلل المالي علي الصلح بتصريحات جريئة تسلط الضوء على واحدة من أخطر التحولات التي طرأت على السياسة النقدية في البلاد، مؤكدًا أن تحديد سعر صرف للدينار الليبي أعلى من قيمته التعادلية الحقيقية كان خطوة غير محسوبة قادت إلى تقويض استقلالية مصرف ليبيا المركزي، وتحولت إلى أداة مالية بيد السلطة التنفيذية.
الصلح، وفي حديثه لقناة “الجزيرة”، طالعته “ليبيا 24” اعتبر أن هذه السياسة قد فتحت الباب أمام هيمنة الحكومة على القرار النقدي، وهو ما يتعارض مع المبدأ الأساسي الذي يستند إليه عمل البنوك المركزية، والمتمثل في الحياد والاستقلالية في إدارة السياسات النقدية بعيدًا عن الضغوط السياسية أو الحسابات الحكومية قصيرة المدى.
وأشار الصلح إلى أن استعادة الثقة في الاقتصاد الليبي لا يمكن أن تتحقق من خلال قرارات فردية أو إصلاحات مجتزأة، بل تتطلب تنسيقًا حقيقيًا ومتكاملًا بين السياسات الاقتصادية الكلية: النقدية، والمالية، والتجارية. وشدد على أن هذا التكامل هو السبيل الوحيد لإنقاذ الوضع الراهن الذي يتسم بالاختلال والارتجال في إدارة الموارد.
من النقاط الجوهرية التي ركّز عليها الصلح، ضرورة تحديد سقف واقعي للطلب الكلي داخل السوق الليبي، بما يمكّن المصرف المركزي من الدفاع بفعالية عن قيمة الدينار، بدلًا من الاكتفاء بضخ السيولة في مواجهة أزمة تضخمية متفاقمة. وفي هذا السياق، دعا إلى إعادة تفعيل منظومة المقاصة بين المصارف، والتي تمثل ركيزة أساسية في إعادة انضباط التداول النقدي وتقليل الاعتماد على الكاش.
كما أوضح أن جزءًا كبيرًا من الأزمة يرتبط بغياب الرقابة على حجم الكتلة النقدية المتداولة، مؤكدًا أن الاستمرار في ضخ كميات ضخمة من العملة المحلية من دون ضوابط يعرّض الاستقرار المالي للخطر ويزيد من معدلات التضخم، ما ينعكس سلبًا على معيشة المواطن وقيمة دخله الحقيقي.
وفي هذا الصدد، أشار الصلح إلى أن العدالة الاجتماعية تبدأ من ربط الأجور والمرتبات بالسعر الحقيقي للعملة، معتبرًا أن تثبيت الأجور في ظل تراجع القيمة الفعلية للدينار يفقد هذه الدخول قدرتها الشرائية، ويؤدي إلى اتساع الهوة بين الدخل والاحتياجات الأساسية.
أما بخصوص ملف دعم المحروقات، فقد وصفه الصلح بـ”الأولوية المؤجلة”، موضحًا أن معالجته لم تعد خيارًا، بل ضرورة ملحّة تفرضها اعتبارات العدالة والكفاءة المالية. وبيّن أن استمرار الدعم بصيغته الحالية يستنزف الموارد العامة ويشجع على التهريب والاستهلاك المفرط، ما يعرقل أي مسعى للإصلاح الاقتصادي الحقيقي.
في ختام تصريحاته، دعا الصلح إلى اتخاذ قرارات شجاعة، حتى وإن كانت غير شعبية على المدى القصير، لأنها تمثل ركيزة الاستقرار المستقبلي لاقتصاد يرزح تحت ثقل الأزمات والتجاذبات السياسية.