ليبيا

تخفيض قيمة الدينار يشعل الأسعار ويربك الأسواق الليبية

الركود التضخمي يهدد الاقتصاد الليبي وسط غياب الحلول

تشهد ليبيا موجة جديدة من التقلبات الاقتصادية الحادة، مع تصاعد أزمة العملة الوطنية، وازدياد الضغوط على المواطن الليبي نتيجة ارتفاع الأسعار الذي طال معظم السلع، سواء كانت أساسية أو كمالية. هذا الوضع المتأزم يأتي في وقت تتوالى فيه الإجراءات النقدية دون وجود إطار واضح للسياسات الاقتصادية المصاحبة، مما يُنبئ بمزيد من الركود والانكماش

في خطوة مثيرة للجدل، جرى تخفيض قيمة الدينار الليبي رسمياً بنسبة تُقدَّر بنحو 13%، ليبلغ سعر صرف الدولار 6.4 دنانير، شاملةً ضريبة على بيع النقد الأجنبي تُقدَّر بـ15%. هذه الخطوة كانت بمثابة شرارة أطلقت موجة من الزيادات في الأسعار وصلت إلى 20% في بعض السلع، مما أثار استياءً واسعاً بين المواطنين والمستوردين على حد سواء.

يعتمد الاقتصاد الليبي بشكل شبه كلي على الواردات الخارجية لتلبية حاجاته الاستهلاكية والتشغيلية، وهو ما يجعل أي تقلب في أسعار الصرف ينعكس مباشرة على كلفة الاستيراد وبالتالي على أسعار السوق. وقد أشار عدد من الموردين إلى أن التكاليف التشغيلية، والتي تشمل الشحن والجمارك والتخزين، باتت عبئاً كبيراً بعد تدهور الدينار، مما دفعهم إلى تقليص حجم وارداتهم بشكل ملحوظ.

المخابز، وهي من القطاعات الحيوية التي تلامس احتياجات المواطن اليومية، أطلقت هي الأخرى تحذيرات من احتمالية الإغلاق، بسبب الارتفاعات الكبيرة في أسعار الدقيق ومستلزمات التشغيل. وقد أكد عدد من المخابز أن استمرار هذه الزيادات دون تدخل حكومي قد يؤدي إلى تراجع الإنتاج أو توقفه في بعض المناطق.

في المقابل، لا تزال الاستجابة الرسمية للأزمة محدودة، رغم اعتراف وزارة الاقتصاد والتجارة بحكومة الوحدة الوطنية بوجود زيادات فعلية في أسعار اللحوم والمواد الغذائية. الوزارة دعت إلى إعادة النظر في الضريبة المفروضة على النقد الأجنبي، غير أن تلك الدعوات لم تترافق مع خطة واضحة أو جدول زمني للإصلاح.

الخبير الاقتصادي محمد أبوسنينة حذر بدوره من دخول البلاد مرحلة “الركود التضخمي”، وهو مصطلح يُستخدم لوصف مزيج من تراجع النشاط الاقتصادي مع استمرار التضخم. واعتبر أن هذا الوضع هو نتيجة مباشرة لتضارب السياسات النقدية وغياب الرؤية الاستراتيجية، مطالباً بوضع برنامج إنقاذ شامل يشمل إصلاحات اقتصادية ومؤسساتية.

من جهة أخرى، كشفت بيانات الشركة الاشتراكية للموانئ عن انخفاض حجم البضائع التي تم شحنها وتفريغها بنسبة 40% خلال عام 2024 مقارنة بالعام الذي سبقه، ما يعكس بوضوح التراجع الكبير في نشاط الاستيراد. وأوضحت التقارير أن الضريبة المفروضة على الدولار، بالإضافة إلى التخفيض الأخير في قيمة الدينار، ساهمتا بشكل مباشر في هذا الانكماش.

أما على الصعيد الدولي، فقد أشار صندوق النقد الدولي إلى أن متوسط التضخم في ليبيا قد يستقر عند 2.9% في عام 2025، مع توقعات بانخفاضه إلى 2.6% في 2026. غير أن الصندوق أشار أيضاً إلى أن دعم الدولة لأسعار بعض السلع يحجب التأثير الحقيقي لسعر الصرف على السوق، مما يجعل أرقام التضخم الرسمية غير معبرة عن الواقع الفعلي للمواطن.

في ظل هذا المشهد المأزوم، يغيب التنسيق بين المؤسسات الرسمية، وتبدو البلاد عالقة في دائرة مفرغة من الإجراءات غير المدروسة، دون وجود رؤية اقتصادية شاملة. ويرى محللون أن أي محاولة للخروج من الأزمة لا بد أن تبدأ بتوحيد القرار المالي والنقدي، ومراجعة الضرائب على النقد الأجنبي، وتحفيز الإنتاج المحلي، في مقابل تقليص الاعتماد على الواردات.

ختاماً، يبدو أن التحدي الأكبر لا يكمن فقط في ضبط سعر الصرف أو تخفيف الضرائب، بل في استعادة الثقة في السياسات الاقتصادية، من خلال إجراءات واقعية تُعيد التوازن للسوق وتُحصّن المواطن من صدمات الأسعار المتتالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى