ليبيا

مراجع غيث: المركزي تجاوز صلاحياته في قرار الصرف

فوضى النقد الأجنبي تعمق الأزمة وسوق الدولار يزدهر

في تصريحات أثارت الجدل ضمن أروقة الاقتصاد الليبي، شدد وكيل وزارة المالية الأسبق وعضو مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي السابق، مراجع غيث، على أن مصرف ليبيا المركزي تجاوز نطاق صلاحياته باتخاذه قرارات مؤثرة على سعر صرف الدينار دون تنسيق حقيقي مع الحكومة، معتبرًا أن مثل هذه الإجراءات ينبغي أن تندرج ضمن صلاحيات الجهات التنفيذية، لا المؤسسة النقدية التي يفترض أن تظل مستقلة ومقيدة بضوابط السياسة النقدية فقط.

غيث، وفي حوار خص به قناة “الجزيرة”، أبدى قلقًا بالغًا من التوسع المستمر في الإنفاق العام، مؤكدًا أن هذه السياسات التوسعية أدت إلى تسارع وتيرة تآكل قيمة الدينار الليبي، ما ألقى بظلال قاتمة على المشهد المالي والاقتصادي في البلاد. وقال إن الاستمرار على هذا المنوال من دون ضوابط أو رؤية إصلاحية شاملة قد يُدخل البلاد في نفق تضخمي يصعب الخروج منه.

ووجه غيث انتقادات صريحة لآليات إدارة النقد الأجنبي، مشيرًا إلى أن الفجوة المتزايدة بين السعر الرسمي والموازي للدولار ليست ظاهرة عشوائية، بل انعكاس لقصور في الرقابة وفوضى في تخصيص الموارد. ولفت إلى أن أدوات مثل الاعتمادات المستندية ومخصصات الأغراض الشخصية، والتي كان يفترض أن تكون وسيلة لضبط الطلب على العملة الصعبة، تحولت فعليًا إلى منصات للمضاربة والمتاجرة بالدولار، وهو ما ساهم في خلق بيئة خصبة لنمو السوق السوداء وتفشيها.

وفي سياق متصل، أكد غيث أن مصرف ليبيا المركزي، عوضًا عن أن يكون صانعًا للسياسة النقدية القادرة على توجيه السوق، بات في موقع رد الفعل، بل وتابعًا للحركة غير الرسمية للسوق السوداء. وأوضح أن هذا الوضع إذا استمر دون تدخل إصلاحي حازم، فقد يدفع بصناع القرار إلى طرح خيار التعويم الكامل للعملة، وهو ما وصفه بالخيار “الاضطراري” في حال فقدت السلطات النقدية أدواتها التقليدية لضبط السوق.

دعوة غيث لم تكن انتقادًا مجردًا، بل تضمنّت تحذيرًا واضحًا من تداعيات استمرار المركزية المفرطة في اتخاذ قرارات مصيرية تمس حياة المواطن اليومية، دون إشراك الجهات التنفيذية المعنية أو تأسيس توافق اقتصادي حقيقي. وناشد بضرورة توحيد الجهود بين الحكومة والمؤسسة النقدية، والبدء فورًا بإعادة تقييم منظومة إدارة النقد الأجنبي، بما في ذلك وقف الهدر في الاعتمادات، وتحقيق رقابة فعالة تكفل حماية قيمة الدينار.

تأتي هذه التصريحات في وقت تشهد فيه البلاد حالة من الغموض الاقتصادي، مع تزايد اعتماد المواطن على السوق الموازي لتلبية احتياجاته من العملات الأجنبية، وسط غياب رؤية اقتصادية متماسكة وخطة واضحة لإصلاح النظام المالي برمته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى