
اختتم صندوق النقد الدولي مشاورات المادة الرابعة مع محافظ مصرف ليبيا المركزي، مستعرضًا أبرز التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجه البلاد، ومقدمًا توصيات فنية تتعلق بالسياسات النقدية، وإدارة الاحتياطي، وسوق الصرف الأجنبي.
وأشار الصندوق في تصريحات رصدتها “ليبيا 24” إلى أن الأزمة التي شهدها المصرف المركزي الليبي خلال أغسطس الماضي، والتي أدت حينها إلى إغلاق مؤقت في قطاع النفط، انعكست على مستوى الإنتاج الوطني الذي شهد تذبذبًا في تلك الفترة، قبل أن يستعيد توازنه ليستقر عند متوسط يبلغ نحو 1.4 مليون برميل يوميًا، وهو ما يمثل مؤشرًا على قدرة القطاع على التعافي السريع، رغم الظروف غير المستقرة.
ثلث مؤشر الأسعار في ليبيا يتشكل من السلع والخدمات المدعومة
في جانب آخر، رصد صندوق النقد الدولي أن قرابة ثلث مؤشر الأسعار في ليبيا يتشكل من السلع والخدمات المدعومة، وهو ما يشير إلى استمرار ثقل الدعم الحكومي على هيكل الأسعار في البلاد. وقد بلغ معدل التضخم الرسمي للعام 2024 نسبة 2%، وهي نسبة تُعد منخفضة نسبيًا، إلا أن الصندوق ربط هذا المعدل بمستويات الدعم القائمة، التي يرى ضرورة مراجعتها تدريجيًا.
ليبيا واجهت عجزًا في الموازنة العامة خلال العام الماضي
وأكدت التقارير الصادرة أن ليبيا واجهت عجزًا في الموازنة العامة خلال العام الماضي، وهو ما يُعد تطورًا مقلقًا، لا سيما في ظل محدودية التنوع الاقتصادي، واعتماد البلاد على الإيرادات النفطية كمصدر شبه وحيد للتمويل. لكن في المقابل، أشاد صندوق النقد بجهود القطاع المصرفي الليبي، الذي تمكن من تعزيز رأس ماله وتحسين مؤشراته المالية، رغم التحديات السياسية والاقتصادية المحيطة.
أما فيما يخص التوقعات المستقبلية، فتوقع الصندوق استمرار نمو قطاع النفط بشكل جيد، باعتباره المصدر الرئيسي للناتج المحلي الإجمالي، لكنه أشار في المقابل إلى أن بقية القطاعات ستحتفظ بمعدلات نموها التقليدية بحدود 5% سنويًا، ما يعكس الحاجة إلى سياسات تنموية داعمة للقطاعات غير النفطية.
وعلى صعيد السياسات النقدية، طالب الصندوق السلطات الليبية، وفي مقدمتها مصرف ليبيا المركزي، باتخاذ خطوات فورية لتقليص الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والموازي، والإلغاء التدريجي للضريبة المفروضة على النقد الأجنبي، مع تخفيف القيود المفروضة على الطلب، بما يساهم في توحيد السوق وتعزيز ثقة المواطنين.
وفي هذا السياق، ثمّن صندوق النقد جهود المركزي الليبي في ما يتعلق بمكافحة اكتناز الأموال الورقية، والعمل على تشجيع المواطنين على التحول نحو استخدام المدفوعات الإلكترونية، لكنه في ذات الوقت أشار إلى أن التحديات في هذا المجال لا تزال كبيرة، وتشمل ضعف البنية التحتية الرقمية، وقلة الثقة في النظام المصرفي، بالإضافة إلى غياب التوعية المجتمعية الكافية.
تطبيق الحوكمة في ليبيا يعاني من ثغرات واضحة
واختتم الصندوق ملاحظاته بتأكيده أن تطبيق الحوكمة في ليبيا يعاني من ثغرات واضحة، ناتجة عن الارتباط الوثيق بين الاقتصاد ومؤسسات الدولة من جهة، واعتماده المفرط على الإنفاق العام من جهة أخرى، في ظل هشاشة مؤسسات الدولة وضعف سيادة القانون، وهو ما يتطلب إصلاحات شاملة وهيكلية تمتد إلى مختلف القطاعات.
وتُعد هذه التصريحات بمثابة جرس إنذار من أجل مراجعة أولوياتها الاقتصادية، والانخراط في إصلاحات جوهرية لا تقف عند حدود السياسة النقدية، بل تشمل أيضًا هيكلة الدعم، وتطوير أدوات الرقابة، وتعزيز الشفافية، بما يضع الاقتصاد الليبي على مسار مستدام وأكثر توازنًا.