ليبيا.. سلالة “تاكركوري” الجينية تعيد كتابة تاريخ شمال أفريقيا
كشف جيني نادر يعيد رسم خريطة البشر الأوائل

“سلالة تاكركوري”… جينات قديمة تفضح مسلمات علمية عن سكان شمال أفريقيا
ليبيا 24
في تطور علمي كبير من شأنه إعادة تشكيل فهمنا لأصول سكان شمال أفريقيا، كشفت دراسة نُشرت في مجلة “نيتشر” عن سلالة بشرية قديمة وُجدت في موقع “تاكركوري” جنوب غربي ليبيا. الدراسة التي قادها فريق بحثي من معهد ماكس بلانك، أزاحت الستار عن أدلة جينية تُعد الأقدم في المنطقة، وتقدم سردية مغايرة لما ظل سائداً لعقود بشأن أصول سكان هذه الرقعة من العالم.
تركيب جيني فريد لا يشبه أي سلالة معروفة
التحليل الجيني لرفات ثمانية أفراد دفنوا قبل نحو تسعة آلاف عام كشف عن سلالة مميزة، لا تنتمي لأي من الشعوب التي عُرفت في الشرق الأدنى، أو أفريقيا جنوب الصحراء، أو أوروبا. هذا الاكتشاف يطرح فرضية صادمة للدارسين، وهي أن شمال أفريقيا لم يكن مجرد منطقة عبور أو ملتقى للهجرات، بل كان موطناً لمجتمعات تطورت محلياً بشكل مستقل تماماً.
الصحراء الخضراء… مهد تطور سكاني معزول
تشير البيانات إلى أن تلك المجتمعات تطورت في بيئة مختلفة تماماً عن الصحراء الكبرى الجافة التي نعرفها اليوم. ففي تلك الحقبة، كانت الصحراء خضراء تزخر بالحياة البرية والبحيرات، مما وفر بيئة خصبة لازدهار حضارات محلية. الباحثة ندى سالم، التي تقود الفريق، وصفت العينات بأنها “أول دليل جيني يُستخرج من قلب الصحراء الخضراء، وهي نافذة نادرة على مجتمعات ما قبل التاريخ”.
نسبة نياندرتال ضئيلة… واتصال محدود مع الخارج
أحد أبرز ما كشفت عنه الدراسة هو النسبة الضئيلة من الحمض النووي لإنسان نياندرتال في جينات تاكركوري، إذ لم تتجاوز 0.15%، مقارنة بنسب أعلى لدى شعوب أوروبا وبلاد الشام. هذا ما يؤكد العزلة الجينية التي تمتعت بها هذه السلالة، إذ لم تتأثر بالموجات البشرية اللاحقة التي شكلت معظم جينات سكان شمال أفريقيا الحاليين.
الرعي دون تهجير… الثقافة تسبق الجينات
رغم ممارسة هذه المجتمعات للرعي وتربية الحيوانات—وهي أنشطة نشأت خارج أفريقيا—لم تظهر جيناتهم أي إشارات على اختلاطهم بسكان الشرق الأدنى. ويفتح هذا باباً جديداً لفهم آليات التغيير الثقافي، حيث يبدو أن التواصل الحضاري، وليس التهجير، هو من نقل تقنيات الزراعة والرعي إلى هذه المنطقة.
انعكاسات على فهمنا للهوية والتاريخ
الدراسة لم تقف عند حدود الجينات، بل أعادت قراءة فرضيات سابقة تتعلق بموقع أثري مغربي شهير هو تافورالت. حيث تشير التحليلات إلى تشابه في البنية الوراثية بين سكان تاكركوري وتلك المنطقة، وهو ما يقوّض الرواية القائلة بأن شمال أفريقيا تأثر بموجات من الجنوب. وبدلاً من ذلك، تقوي فرضية “الاستمرارية الجينية المحلية”، التي لطالما نظر إليها العلماء بتشكك.
الخاتمة: المناخ يكتب التاريخ البشري
اختفاء سلالة تاكركوري يُعزى، على الأرجح، إلى تحوُّل الصحراء الخضراء إلى بيئة جافة غير قابلة للحياة. ما يشير إلى أن التحولات المناخية كانت قوة حاسمة في رسم مسارات البشر. تقول ندى سالم: “كما يؤثر المناخ اليوم على الهجرة، فقد لعب الدور ذاته منذ آلاف السنين”. وهكذا، يكشف الحمض النووي القديم أننا لا نعيش فقط على أرض التاريخ، بل في قلبه المتجدد.