
لجنة مستقلة لتذليل المأزق الانتخابي
استكمالًا لمساعيها الرامية إلى كسر جمود المسار السياسي الليبي، أطلقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مطلع فبراير 2025 لجنة استشارية تضم شخصيات قانونية وسياسية ليبية، كلفت بتقديم مقترحات عملية وقابلة للتنفيذ تسهم في تسوية القضايا الخلافية التي عطلت الوصول إلى الانتخابات الوطنية الرئاسية والتشريعية.
اللجنة، التي عُرفت بطابعها الاستشاري الصرف، عكفت على مدار أسابيع على دراسة النصوص القانونية ذات الصلة، وتحليل بيئة العمل الانتخابي، بهدف تجاوز التشابكات القانونية والسياسية، وصياغة خارطة طريق تنقل البلاد إلى برّ الاستحقاق الدستوري دون تأجيل جديد.
العوائق البنيوية أمام الانتخابات
خلصت اللجنة في قراءتها التشخيصية إلى أن الإطار الدستوري والقانوني الساري يعاني من ثغرات مؤثرة، أبرزها التداخل بين الانتخابات الرئاسية والتشريعية على مستوى النتائج والتوقيت، وغياب ضمانات تنظيمية تتيح تنفيذ استحقاقات انتخابية نزيهة في ظل تعدد السلطات التنفيذية، وتعطّل آليات الرقابة القضائية على الطعون الانتخابية.
كما أورد التقرير أن بعض نصوص قوانين الانتخابات، مثل شروط الترشح وأهلية الناخبين، تفتقر إلى الوضوح القانوني، مما يجعلها عرضة للتأويل والطعن، ويضعف فرص التوافق الوطني على نتائج الاقتراع.
منهجية العمل: تشاور واسع وتقييم شامل
اتخذت اللجنة نهجًا قائمًا على التحليل الفني المتعمق، مدعومًا بجلسات نقاش بين أعضائها، ومراجعة قانونية دقيقة لنصوص الدستور المؤقت والتعديلات المعتمدة، فضلًا عن القوانين الانتخابية الصادرة عن لجنة 6+6. كما استعانت اللجنة بعدد من المقترحات الواردة من شخصيات ومؤسسات ليبية ودولية، وسعت إلى تطوير نموذج توافقي ينطلق من الواقع، دون إسقاطات أو شروط مسبقة.
المحاور الخلافية: علاقة نتائج الرئاسية بالتشريعية
ناقش التقرير الصادر عن اللجنة 9 قضايا خلافية رئيسية، أولها علاقة نتائج الرئاسية بالتشريعية حيث رأت اللجنة أن النصوص التي تربط بين نجاح الانتخابات الرئاسية والمضي في مسار الانتخابات التشريعية، تشكل قيدًا خطيرًا قد يُستخدم لتعطيل المسار بكامله، واقترحت معالجة قانونية تفصل المسارين وظيفيًا وزمنيًا.
المحاور الخلافية: شرط التزامن الزمني
أوصت اللجنة بإلغاء الإلزام بتزامن الاقتراع في الاستحقاقين الرئاسي والتشريعي، لما لذلك من أعباء تنظيمية تؤدي إلى ارتباك لوجستي وتعقيد في إدارة مراكز الاقتراع، ناهيك عن الطعون المحتملة بسبب تداخل الإجراءات.
المحاور الخلافية: شروط الترشح.. الجنسية والحكم النهائي
أبقت اللجنة على إمكانية ترشح مزدوجي الجنسية، على أن يُلزم المترشح بالتنازل عنها لاحقًا، كما شددت على الإبقاء على شرط عدم وجود حكم قضائي نهائي في جرائم مخلة، احترامًا لقواعد النزاهة، دون إقصاء مبكر.
المحاور الخلافية: تزكيات الترشح
اقترحت اللجنة تعديلًا يضمن توزيع التزكيات على دوائر انتخابية متنوعة، وتحديد الحد الأدنى والأقصى لها، مع وضع آليات لحماية بيانات المزكّين من أي إساءة أو استغلال.
المحاور الخلافية: مشاركة العسكريين
أقرت اللجنة بحق العسكريين في التصويت والترشح، شريطة وجود ضوابط قانونية تضمن عدم استغلالهم ككتلة انتخابية موالية لأي طرف، وضمان حياد المؤسسة العسكرية.
المحاور الخلافية: تمثيل المرأة والمكونات الثقافية
دعت اللجنة إلى تخصيص نسبة لا تقل عن 30% للمرأة، و15% للمكونات الثقافية، ضمن ترتيبات واضحة تضمن التنفيذ الحقيقي وليس الرمزي.
المحاور الخلافية: تشكيل حكومة جديدة
أجمعت اللجنة على ضرورة تشكيل حكومة موحدة جديدة مؤقتة ذات مهام تنفيذية محددة، تتولى الإشراف على المرحلة الانتقالية والتمهيد للانتخابات، مشددة على أن بقاء الحكومتين الحاليتين (الدبيبة وحفتر) يمثل خطرًا على وحدة القرار، ويزيد من فرص التعطيل.
المحاور الخلافية: ضبط عملية الطعن
طالبت اللجنة بإصلاح آلية الطعن القضائي، وتحديد الجهة المختصة وتوقيت النظر والفصل، منعًا لاستخدام القضاء كأداة سياسية.
المحاور الخلافية: أرقام السجل الإداري
طالبت اللجنة بضرورة معالجة أوضاع حاملي الأرقام الإدارية، بما يكفل مشاركتهم السياسية دون المساس بسلامة السجل الانتخابي.
خيارات مفتوحة ومسارات تدريجية
وضعت اللجنة أربعة سيناريوهات لخارطة طريق انتقالية، تختلف في ترتيب الخطوات لكنها تلتقي عند هدف وحيد: إنقاذ العملية السياسية عبر استحقاق انتخابي واقعي وشامل.
إجراء انتخابات شاملة بعد تشكيل حكومة موحدة وانتقالية.
اعتماد دستور دائم ثم تنظيم انتخابات تشريعية فقط.
صياغة الدستور أولًا، ثم تنظيم استحقاقيْن رئاسي وتشريعي.
إطلاق مسار تأسيسي جديد للدستور قبل كل شيء.
الا ان اللجنة رفضت خيار الدمج القسري بين الحكومتين، واعتبرته مسارًا خاطئًا يعيد إنتاج الانقسام. وأوصت بتشكيل سلطة تنفيذية جديدة محددة الصلاحية والمدة، مع اتفاق سياسي مدعوم أمميًا، وفي حال تعذر ذلك، تفعيل آلية الحوار السياسي الموسعة بين الأطراف الرئيسية.
خارطة للخروج لا مجال لتأجيلها
أنهت اللجنة تقريرها بالدعوة إلى توافق سياسي مستعجل، لتبني أحد السيناريوهات المقترحة، واعتماد جدول زمني دقيق، يبدأ بتشكيل الحكومة الجديدة، وينتهي بتنظيم الانتخابات قبل نهاية 2025.
كما شددت اللجنة على أن استمرار الوضع الراهن لا يخدم سوى الأطراف المستفيدة من الانقسام، ويقوض فرص الاستقرار، داعية إلى تفعيل الضغط الشعبي والدولي من أجل تنفيذ التوصيات الواردة.



