غزة.. مبادرة أمريكية مثيرة للجدل لتوزيع المساعدات
رفض أممي وتحفظات إنسانية على المبادرة

مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة تبرز محاولة جديدة تقودها الولايات المتحدة عبر مؤسسة ناشئة تدعى “إغاثة غزة”، تهدف إلى تقديم نموذج بديل لتوزيع المساعدات الإنسانية في القطاع المحاصر.
ورغم الإعلان عن قرب انطلاق عملياتها قبل نهاية شهر مايو، تواجه هذه المؤسسة تحديات كبيرة واعتراضات قوية، أبرزها من الأمم المتحدة، التي أكدت رفضها للتعاون مع هذا النموذج الجديد، واصفة إياه بأنه “يفتقر للنزاهة والحياد”.
تأسست “مؤسسة إغاثة غزة” في فبراير 2025 في جنيف، بسويسرا، بدعم أمريكي مباشر، وتعد أحدث محاولة غربية لإنشاء آلية جديدة لإيصال المساعدات إلى سكان غزة، في ظل الانهيار شبه الكامل للنظام الإنساني القائم نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية والقيود اللوجستية.
ووفقًا لمصادر مطلعة، من المقرر أن تتعاون المؤسسة مع شركتين أميركيتين خاصتين تعملان في مجال الأمن واللوجستيات: UG Solutions وSafe Reach Solutions. وقد تلقت المؤسسة وعودًا بتبرعات تتجاوز 100 مليون دولار، دون الكشف عن مصدر هذه الأموال.
في تصريح أمام مجلس الأمن، دعت دوروثي شيا، القائمة بأعمال الممثل الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، المنظمات الدولية إلى التعاون مع المؤسسة، مؤكدة أن واشنطن تعمل مع إسرائيل لتأمين انطلاقتها. من جانبها، قالت إسرائيل إنها ستسمح للمؤسسة بالعمل في القطاع دون التدخل في عمليات التوزيع نفسها.
تقوم الخطة الامريكية على إنشاء ما يسمى بـ”مواقع توزيع آمنة”، وهي مراكز يمكن لكل منها تلبية احتياجات 300 ألف شخص من الغذاء والماء وحقائب النظافة، على أن تنشأ في البداية في جنوب القطاع.
وبحسب ما ورد، ستدخل الشركتان الأمريكيتان المساعدات إلى غزة، وتُسلم إلى تلك المواقع، حيث تتولى منظمات إغاثة (لم تُذكر أسماؤها حتى الآن) مهمة التوزيع. وقالت المؤسسة إنها لن تتقاسم أية معلومات شخصية عن المستفيدين مع إسرائيل، لكنها في الوقت ذاته طلبت من الجيش الإسرائيلي تحديد مواقع جديدة في شمال غزة لتوسيع نطاق التوزيع خلال 30 يومًا.
ورغم عدم مشاركة الجيش الإسرائيلي في التوزيع بشكل مباشر، فإن تعاونه مع المؤسسة من حيث تحديد المواقع وتسهيل العمل يثير مخاوف بشأن حياد واستقلالية العملية برمتها.
الأمم المتحدة ترفض التعاون مع المؤسسة
أعلنت الأمم المتحدة رسميًا رفضها للعمل مع مؤسسة “إغاثة غزة”، معتبرة أن النموذج الجديد لا يفي بالمبادئ الأساسية للعمل الإنساني، وأبرزها الحياد، والنزاهة، والاستقلالية.
في إفادة لمجلس الأمن، قال توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، إن الخطة “تزيد من النزوح، وتعرض المدنيين للخطر، وتختزل المساعدات في مناطق معينة من غزة، كما أنها مرتبطة بأجندات سياسية وعسكرية، وتُحوّل الجوع إلى أداة ضغط”.
وأكد فليتشر أن الوقت لا يسمح بإعادة ابتكار نظام جديد وسط مجاعة وشيكة تهدد حياة مئات الآلاف، وأن الحل يكمن في تحسين الآليات القائمة بالفعل، وليس استبدالها.
في الثاني من مارس، أوقفت إسرائيل دخول جميع المساعدات إلى غزة، متهمة حركة حماس بسرقة المساعدات، وهو ما نفته الحركة. كما ربطت تل أبيب استئناف المساعدات بإطلاق سراح الرهائن المحتجزين.
وقد طرحت إسرائيل في أبريل آلية جديدة لـ”مراقبة دخول المساعدات”، رفضها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش على الفور، محذرًا من أنها تمنح إسرائيل سيطرة مفرطة على الإمدادات، وتفاقم الوضع الإنساني.
ومع تصاعد التحذيرات من مجاعة كارثية، حيث يواجه سكان القطاع خطر الموت جوعًا، ازداد الضغط الدولي على إسرائيل للسماح بإدخال المساعدات. وجاءت خطة “إغاثة غزة” كاستجابة أمريكية بديلة وسط الجمود الحالي.
وهكذا وبينما يواجه القطاع أسوأ أزمة إنسانية في تاريخه الحديث، تظل الأسئلة قائمة بشأن جدوى نموذج “إغاثة غزة” المدعوم من واشنطن، خاصة في ظل رفض أممي وتحذيرات من تسيس العمل الإنساني.
وفيما تبدو المؤسسة مستعدة للبدء في تنفيذ خطتها، يبقى نجاحها مرهونًا بمدى قبول الجهات الإنسانية العاملة، وبمدى قدرتها على العمل في منطقة منهارة أمنيًا وسياسيًا، دون أن تتحول إلى أداة صراع إضافية في ساحة حرب مفتوحة.