عربى

الهجرة في العالم العربي بين مغريات تغيير الواقع الاقتصادي وخسائر فقدان عقول مؤثرة

المنطقة العربية تشهد أحد أعقد مسارات الهجرة في العالم

تشهد المنطقة العربية أحد أعقد مسارات الهجرة في العالم، حيث تُعتبر دول شمال إفريقيا ولا سيما ليبيا وتونس والمغرب بوابةً رئيسية للهجرة غير الشرعية نحو أوروبا عبر البحر المتوسط.

وفق منظمة الهجرة الدولية، سُجلت أكثر من 3760 حالة وفاة وفقدان لمهاجرين في المتوسط عام 2024، مما يجعله أحد أخطر طرق الهجرة عالمياً.

بيانات الأمم المتحدة تشير إلى وجود أكثر من 761 ألف مهاجر من 44 جنسية في ليبيا وحدها حتى منتصف 2024، يعيش قسم كبير منهم في ظروف إنسانية صعبة داخل مراكز احتجاز أو أماكن سرية تحت سيطرة شبكات التهريب.

دوافع الهجرة

تتعدد دوافع الهجرة فمنها الاقتصادي مثل ضعف فرص العمل في الدول المصدِّرة للهجرة وارتفاع معدلات البطالة، خصوصاً بين الشباب والتي تتجاوز 30% في بعض الدول العربية فضلا عن تفاوت مستويات التنمية بين دول الجنوب والدول الأوروبية المجاورة.

كما تشمل ادوفاع جانب سياسي مثل الصراعات المسلحة وعدم الاستقرار في دول مثل السودان، سوريا، اليمن وليبيا وغياب الاستقرار السياسي والأنظمة القانونية الحامية للحقوق.

اما فيما يتعلق بالدوافع الإنسانية والاجتماعية فيمكن حصرها عن البحث عن حياة أكثر أماناً وكرامة والرغبة في تعليم أفضل للأبناء وخدمات صحية متطورة.

المكاسب الاقتصادية للهجرة

رغم المخاطر، فإن الهجرة تمثل مورداً مالياً مهماً للدول العربية حيث تجاوزت قيمة تحويلات المغتربين العرب 60 مليار دولار سنوياً، حيث تُعتبر مورداً رئيسياً للنقد الأجنبي في دول مثل مصر والمغرب ولبنان.

كما انها تعمل على التخفيف من البطالة الداخلية عبر استيعاب أسواق الخارج لجزء من القوى العاملة ونقل الخبرات والمعارف من خلال العائدين بعد سنوات من العمل بالخارج.

الخسائر الناتجة عن نزيف العقول

الهجرة لا تقتصر على العمالة غير الماهرة فحسب، بل تشمل أيضاً الكفاءات العلمية والطبية والهندسية حيث تعاني عدة دول عربية من هجرة الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات نحو أوروبا والخليج، وهو ما يضعف المنظومات الصحية والتعليمية محلياً.

وتتسبب الهجرة في خسارة تراكمية في رأس المال البشري المدرب، مما يبطئ عجلة التنمية ويزيد من الاعتماد على الكفاءات الأجنبية وضعف الاستثمار في البحث العلمي والابتكار نتيجة هجرة الباحثين.

ولمواجهة الهجرة يقتضي الأمر تنمية اقتصادية داخلية تقلل من دوافع الهجرة وتوقيع اتفاقيات ثنائية وإقليمية لتنظيم انتقال العمالة بشكل قانوني مع تحسين ظروف المهاجرين عبر سياسات إنسانية في دول العبور واعداد برامج إعادة دمج الكفاءات العائدة من الخارج للاستفادة من خبراتها.

الهجرة في العالم العربي تمثل ظاهرة مزدوجة التأثير؛ فهي ترفد الاقتصادات المحلية بمليارات الدولارات عبر التحويلات، لكنها في المقابل تستنزف العقول والكفاءات وتُعرّض حياة مئات الآلاف من الشباب للخطر في البحر المتوسط. المعالجة الحقيقية تتطلب حلولاً متوازنة بين البُعد الإنساني والاقتصادي والأمني، تقوم على التنمية الداخلية والتعاون الإقليمي والدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى