التضييق المتصاعد على المهاجرين في أوروبا.. بين دعاوى الأمن القومي والالتزامات الإنسانية
تصاعد ملحوظ في السياسات المتشددة تجاه المهاجرين واللاجئين بأوروبا

تشهد القارة الأوروبية منذ سنوات جدلًا واسعًا حول ملف الهجرة، حيث تسعى الحكومات إلى إيجاد توازن بين حماية حدودها وأمنها الداخلي وبين الوفاء بالتزاماتها الإنسانية والدولية تجاه اللاجئين. غير أنّ السياسات المتبعة مؤخرًا أظهرت اتجاهًا متزايدًا نحو التشدد والتضييق على المهاجرين، وهو ما يثير قلق المنظمات الحقوقية والأممية.
قانون يوناني يشدد العقوبات على طالبي اللجوء المرفوضين
في هذا السياق، أقر البرلمان اليوناني مؤخرًا قانونًا جديدًا يشدد العقوبات على طالبي اللجوء المرفوضين، حيث ينص على تسريع إجراءات إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، وفرض احتجاز قد يصل إلى 24 شهرًا، إضافة إلى غرامات مالية تصل إلى 10 آلاف يورو.
ويأتي هذا القانون عقب الارتفاع الملحوظ في أعداد الوافدين من ليبيا وشمال أفريقيا عبر السواحل الجنوبية، خصوصًا جزيرتي كريت وجافدوس. وتعد هذه الخطوة استمرارًا لسياسات الحكومة المحافظة برئاسة كيرياكوس ميتسوتاكيس التي عززت منذ 2019 بناء الأسوار على الحدود الشمالية وتشديد الدوريات البحرية لردع المهاجرين.
هذه السياسات أثارت انتقادات واسعة فقد حذّرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين من أن التشريع الجديد قد يعرض طالبي الحماية الدولية لخطر المعاملة العقابية بدلًا من توفير الملاذ الآمن، واقترحت بديلًا يتمثل في تسريع إجراءات اللجوء لتمييز المستحقين عن غيرهم. من جانب آخر، اتهمت منظمات حقوق الإنسان اليونان بممارسة الإعادة القسرية لطالبي اللجوء عبر حدودها البحرية والبرية، بينما أعلنت وكالة الحدود الأوروبية عن مراجعة حالات متعددة تتعلق بانتهاكات محتملة لحقوق الإنسان.
اليونان ليست استثناءً في هذا المجال، بل تمثل جزءًا من اتجاه أوسع في أوروبا نحو التضييق على الهجرة،فقد تبنت المجر وبولندا سياسات صارمة تمنع استقبال اللاجئين، فيما فرضت إيطاليا قيودًا على عمليات إنقاذ المهاجرين في البحر المتوسط، بينما اتجهت دول كبرى مثل ألمانيا وفرنسا إلى تشديد شروط اللجوء وتعزيز الرقابة على الحدود، في محاولة للحد من تدفق المهاجرين ومواجهة الضغوط الداخلية المتزايدة.
غير أن لهذه السياسات انعكاسات خطيرة، إذ تدفع المهاجرين إلى سلوك طرق أكثر خطورة للوصول إلى أوروبا، ما يزيد من عدد الضحايا، كما أنها تعزز صعود التيارات الشعبوية والقومية التي تستغل المخاوف من الهجرة لتحقيق مكاسب سياسية، فضلًا عن تهديدها لصورة أوروبا كملاذ للحرية وحقوق الإنسان.
وبذلك يتضح أن التضييق المتصاعد على المهاجرين في أوروبا يعكس أزمة متشابكة بين ضرورات الأمن القومي ومتطلبات الالتزام بالمعايير الإنسانية، غير أن المبالغة في التشدد، كما يظهر في التجربة اليونانية، قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات بدلًا من احتوائها، ما يستدعي مقاربة أكثر توازنًا تراعي حقوق المهاجرين وتحافظ في الوقت نفسه على استقرار المجتمعات الأوروبية.



