
تتسع في أوروبا دائرة الغضب تجاه إسرائيل مع استمرار الحرب في قطاع غزة، حيث باتت بعض الحكومات تتخذ إجراءات غير مسبوقة، فيما تزداد الضغوط الشعبية على صناع القرار لاتخاذ مواقف أكثر صرامة.
إسبانيا في مواجهة دبلوماسية مباشرة
خطوة إسبانيا الأخيرة شكّلت منعطفًا مهمًا في الموقف الأوروبي؛ فقد قررت الحكومة إغلاق موانئها ومجالها الجوي أمام السفن والطائرات التي تنقل أسلحة إلى إسرائيل، معتبرة القرار رسالة احتجاج على ما تصفه بـ”الحملة العسكرية الوحشية” في غزة. هذا الإجراء أثار ردود فعل غاضبة في تل أبيب، حيث وصف وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر القرار بأنه “معادٍ للسامية”، وأعلن منع وزيرتين إسبانيتين من دخول إسرائيل.
لكن مدريد لم تتراجع، بل استدعت سفيرها لدى تل أبيب للتشاور، مؤكدة أن قراراتها تعكس الرأي العام الإسباني وتستند إلى مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي. كما شددت على التزامها بمكافحة معاداة السامية، مذكّرة بمنحها الجنسية لعشرات الآلاف من يهود السفارديم الذين طُرد أجدادهم من إيبيريا في القرن الخامس عشر.
ضغط شعبي في سويسرا
الغضب الأوروبي لم يقتصر على الحكومات، إذ شهدت سويسرا احتجاجات لافتة عندما بدأ أطباء ومسعفون إضرابًا عن الطعام أمام البرلمان في برن. المحتجون ارتدوا معاطف طبية ملطخة بدماء رمزية، في مشهد جسّد معاناة المدنيين في غزة، وطالبوا بفرض عقوبات على إسرائيل أو الاعتراف بدولة فلسطينية.
ورغم أن سويسرا ندّدت ببعض العمليات العسكرية الإسرائيلية مثل الهجوم على مستشفى الشهر الماضي، فإن المحتجين رأوا هذه المواقف غير كافية واتهموا الحكومة بـ”الصمت وغياب الشجاعة”. الانتقادات طالت أيضًا ازدواجية المعايير، إذ تذكّر المحتجون بمشاركة سويسرا في العقوبات الأوروبية ضد روسيا بسبب حرب أوكرانيا، بينما تلتزم الحذر الشديد تجاه إسرائيل.
أبعاد أوروبية أوسع
المشهد في مدريد وبرن يعكس اتجاهًا أوسع في القارة، حيث تتزايد الأصوات الرسمية والشعبية المطالبة بالاعتراف بدولة فلسطين ووقف تصدير السلاح إلى إسرائيل. بالفعل، كانت إسبانيا قد اعترفت بدولة فلسطين في مايو 2024، لتلتحق بدول أوروبية أخرى اتخذت القرار ذاته.
في المقابل، تجد إسرائيل نفسها أمام ضغوط متنامية في المحافل الدولية، إذ تخوض معركة قضائية في محكمة العدل الدولية لمواجهة اتهامات بارتكاب “إبادة جماعية”، وهي اتهامات تنفيها بشدة.
من مدريد إلى برن، مرورًا بعواصم أوروبية أخرى، يتجسد الغضب ضد إسرائيل في خطوات دبلوماسية وتحركات احتجاجية رمزية. ومع اتساع الهوة بين المواقف الشعبية والحذر الرسمي في بعض الدول، تبدو أوروبا أمام اختبار صعب: إما الاستمرار في لغة التنديد، أو التحول إلى سياسة أكثر صرامة تضغط فعليًا على إسرائيل لوقف حربها في غزة.



