غير مصنف

أطفال ضمور العضلات في ليبيا يصرخون.. والدبيبة يدير ظهره

مأساة مرضى ضمور العضلات تتفاقم وسط وعود حكومية كاذبة

“أريد الفلوس لأتعالج”.. صرخة طفل هزّت وجدان الليبيين

لم تكن كلمات الطفل عدي بوخريس عابرة حين قال أمام الكاميرا: “أريد الفلوس حتى أتعالج”. كان جالساً على كرسيه المتحرك، بوجه طفولي أنهكه المرض، يبتسم ابتسامة بريئة رغم الألم. لحظتها، ترددت عبارته على مسامع الآلاف، لتتحول إلى أيقونة لمعاناة مئات المصابين بمرض ضمور العضلات في ليبيا.

لكن في الوقت الذي اهتزت فيه مشاعر المواطنين، بقيت السلطة صمّاء. مرّ موكب رئيس حكومة الوحدة منتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة بجوار المرضى وأسرهم المعتصمين، ولم يتوقف للحظة. مشهد اعتبره ناشطون “دليلاً صارخاً على قسوة الإهمال”.

احتجاجات في طرابلس.. والسلطة غائبة

أمام مقر حكومة الدبيبة منتهية الولاية في طريق السكة، اصطف عشرات المرضى على كراسٍ متحركة، يرفعون لافتات تطالب بحق العلاج. أمهات يحملن أطفالاً على صدورهن، وآباء يرفعون أصواتهم بمرارة. لكن النتيجة كانت واحدة: تجاهل مطبق من الحكومة.

يقول محمد الشيخ، رئيس رابطة مرضى ضمور العضلات: “نحن لا نطلب صدقات، نحن نطالب بحقوقنا. الدبيبة تجاهلنا، وكأننا لسنا بشراً. أطفالنا يموتون كل يوم ببطء، والدولة تتذرع بعدم وجود ميزانية”.

موت يطرق الأبواب.. وقصص لا تنتهي

المأساة تجسدت مؤخراً في وفاة الطفلة منة الرقيق (3 أشهر) من مدينة الزاوية. فارقت الحياة قبل أن تصلها “الحقنة الجينية” التي كان يمكن أن تنقذها. ليست حالة فردية، فبحسب رابطة المرضى، توفي 160 مريضاً خلال خمس سنوات، بينما ينتظر 29 طفلاً فرصة الحصول على علاج جيني متطور يكلف ملايين الدولارات.

الأم سلمى الورفلي، والدموع تخنق صوتها، قالت: “ابني لا يستطيع التحرك. أراه يذبل كل يوم. أي قلب هذا الذي يترك الأطفال يموتون هكذا؟”

مطالب بسيطة.. ووعود فارغة

منذ أكثر من خمس سنوات، نظم المرضى وأسرهم نحو 19 وقفة احتجاجية. مطالبهم تكاد تكون بديهية:

• إعادة صرف الإعانة المنزلية المتوقفة منذ 8 سنوات.

• رفع المعاش الأساسي من 650 ديناراً إلى مستوى يكفي المعيشة.

• إنشاء مركز متخصص لعلاج ضمور العضلات.

• توفير الأدوية والتحاليل الجينية.

• إدخال خدمات العلاج الطبيعي في المدن الكبرى والصغرى.

لكن الحكومة اكتفت بالتصريحات. ففي أبريل الماضي، أصدر الدبيبة قراراً ينظم شؤون ذوي الإعاقة، وفي نهاية 2024 أعلن عن برنامج وطني للعلاج. إلا أن هذه القرارات لم تتجاوز الورق.

الفقر يضاعف الألم

الأزمة الصحية تتشابك مع الأزمة المعيشية. سعر الدولار قفز في السوق الموازية إلى 7.57 دينار، ما جعل كلفة العلاج خارج متناول الأسر.

يقول المواطن محمود بن زكري، والد طفلين مصابين: “راتبي لا يتجاوز 650 ديناراً. هذا لا يكفي لإيجار البيت، فكيف أؤمّن علاجاً يكلف آلاف الدولارات؟”

انقسام سياسي.. وفساد يلتهم الأموال

يرى مراقبون أن معاناة مرضى ضمور العضلات انعكاس مباشر للانقسام السياسي والفساد المالي. فبينما تُهدر المليارات على صفقات مشبوهة، تظل حياة الأطفال مرهونة بجرعة دواء غير متوفرة.

يقول الناشط الحقوقي فوزي الفاضلي: “الحكومة تعطي الأولوية لترضية الميليشيات، لا لعلاج المرضى. الدبيبة لو واجهته مجموعة مسلحة لوقف، لكنه أمام الأطفال المرضى مرّ كأنه لم يرهم”

قصص من المدن النائية

في مناطق مثل الكفرة وغات ومرزق، يعيش مرضى ضمور العضلات عزلة مضاعفة. الطرق الوعرة، غياب المراكز الطبية، ونقص الأطباء المتخصصين يجعل حياتهم أكثر صعوبة.

يروي أحمد الطرابلسي، شقيق مصاب: “أخي لا يجد حتى كرسي متحرك جيد. ما توفره الحكومة إما رديء أو تالف. كيف نتحدث عن معامل جينية بينما عاجزون عن توفير أبسط الأدوات؟”

العلاج متوافر عالمياً عبر الحقن الجينية، لكن تكلفته باهظة وتتطلب بنية صحية متقدمة.

بعد سنوات من الصمت، بدأت أصوات المرضى وأهاليهم تطالب باللجوء إلى المنظمات الدولية.

يقول محمد الشيخ: “إذا لم تستجب الحكومة، سننصب خياماً أمام مقرها، وسنلجأ للأمم المتحدة. حياة أطفالنا ليست ورقة سياسية في يد الدبيبة”

خلاصة.. صرخة حياة في مواجهة موت بطيء

ما بين كلمات الطفل عدي الذي يريد المال للعلاج، ودموع أم فقدت ابنتها، وصوت ناشط يندد بالإهمال، تتجسد مأساة حقيقية. مأساة تختصرها جملة واحدة: المرض يفتك بالأطفال، والفساد يفتك بحقوقهم.

المعركة في ليبيا ليست فقط مع مرض وراثي قاتل، بل مع سلطة عاجزة وفاسدة تترك مواطنيها يصارعون الموت وحدهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى