مجلسا النواب والدولة يتحركان بمسار موازٍ لخريطة الطريق الأممية

ليبيا 24
تحركات برلمانية وسط مسار أممي متعثر
في مشهد سياسي متشابك، خطا مجلسا النواب والدولة في ليبيا خطوة جديدة قد تفتح الباب أمام مسار موازٍ لخريطة الطريق التي أعلنتها بعثة الأمم المتحدة في أغسطس الماضي. فقد أصدر رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح قراراً بتكليف ثلاثة من الأعضاء، عدنان الشعاب وبدر سليمان والمهدي الأعور، بالتواصل مع لجنة منبثقة عن مجلس الدولة، بهدف استكمال الاستحقاقات المؤجلة، وفي مقدمتها تشكيل مجلس إدارة جديد للمفوضية العليا للانتخابات، إضافة إلى بحث عدد من المناصب السياسية المرتبطة بالعملية.
هذه التحركات تأتي بينما لا تزال خريطة الطريق الأممية، التي تمتد بين 12 و18 شهراً، في بداياتها، وتستند إلى ثلاثة محاور رئيسية: صياغة إطار انتخابي شامل، تشكيل حكومة موحدة، وإطلاق حوار جامع يعالج الانقسام المؤسسي والقانوني. غير أن غياب التقدم الملموس منذ الإعلان عنها، يفتح الباب أمام تساؤلات حول مدى قدرة البعثة على فرض إيقاعها في ظل التوترات الداخلية.
رؤية أكاديمية: الأولوية للمفوضية لا للمناصب
الباحث السياسي والأكاديمي محمد امطيريد اعتبر أن ما يجري يمثل استكمالاً للمقترح الأممي، لا خروجا عنه، لكنه شدّد على ضرورة تحديد الأولويات. وقال في تصريح إعلامي إن اللجنة الأممية المكلفة تتابع عن قرب عمل المفوضية العليا للانتخابات، مشيراً إلى أن التغيير في المناصب السيادية قد يعقّد المشهد بدلاً من تسهيله.
وأكد امطيريد أن الهدف العاجل ينبغي أن يكون تشكيل مفوضية انتخابات فاعلة خلال فترة لا تتجاوز شهرين، بحيث تكون قادرة على الإشراف على استحقاق انتخابي طال انتظاره. وأضاف أن إدخال ملفات حساسة مثل المناصب السيادية في هذه المرحلة قد يُفضي إلى تعطيل الجهود بدلاً من دفعها إلى الأمام.
⸻
مقاربة تحليلية: مغامرة سياسية محفوفة بالمخاطر
في المقابل، يرى الكاتب والمحلل السياسي أيوب الأوجلي أن الخطوة تحمل قدراً من المخاطرة السياسية. فبحسب رأيه، ما يُناقش حالياً يتعلق بزيادة عدد أعضاء مجلس المفوضية العليا للانتخابات، وهو ما يتقاطع بشكل غير مباشر مع ملف المناصب السيادية العالقة منذ سنوات.
الأوجلي أوضح أن هذه الخطوات جاءت كرد فعل على بطء تحركات البعثة الأممية، معتبراً أن مرور أكثر من شهر على إعلان خريطة الطريق دون نتائج ملموسة خلق فراغاً حاول المجلسان ملأه. لكنه أضاف أن هذا التوجه لا ينسجم مع مسار البعثة، ما يثير مخاوف من تصادم بين المبادرتين.
وذهب المحلل السياسي إلى حد وصف الخطوة بـ«المغامرة السياسية»، مشيراً إلى أن الصراعات الداخلية داخل مجلس الدولة بين رئيسه الحالي محمد تكالة وسلفه خالد المشري، فضلاً عن التباينات بين القوى السياسية الرئيسية، تجعل من الصعب الوصول إلى توافق حقيقي.
صراع أدوار بين الداخل والخارج
تأتي هذه التطورات في وقت يسعى فيه كل من مجلسي النواب والدولة إلى تأمين موقعهما في صدارة المشهد السياسي، في مواجهة دعوات متصاعدة لإعادة النظر في دورهما بعد سنوات من الانقسام. فبينما تطرح البعثة الأممية إطاراً يستند إلى إشراك أوسع للقوى الوطنية، يصرّ المجلسان على أن يظلا طرفاً أساسياً في أي عملية تفاوضية مقبلة.
ويفسر مراقبون ذلك بأنه محاولة لضمان دور فاعل في ترتيبات المرحلة الانتقالية، خشية أن تقود الضغوط الدولية إلى تجاوز المؤسستين وإسناد الملف إلى هيئة أو حكومة جديدة ذات صلاحيات موسعة.
آفاق المرحلة المقبلة
يبقى السؤال الأبرز: هل يمكن لهذه التحركات أن تدفع بالعملية السياسية إلى الأمام أم أنها ستزيد من تعقيد المشهد الليبي؟ المؤشرات الأولية توحي بأن التحدي يكمن في قدرة المجلسين على التوفيق بين مصالحهما الداخلية ومقتضيات خريطة الطريق الأممية، التي ما زالت تمثل الإطار الأوسع المعترف به دولياً.
ففي ظل الانقسام السياسي والمخاوف الأمنية، قد تكون أي خطوات أحادية محفوفة بالمخاطر، خصوصاً إذا ما نظر إليها المجتمع الدولي باعتبارها محاولة للالتفاف على مبادرته. وبينما يترقب الليبيون خطوات عملية تفتح الطريق نحو الانتخابات، يظل المشهد معلقاً بين مسارين: أحدهما ترعاه الأمم المتحدة بجدول زمني طويل، وآخر يسعى البرلمان ومجلس الدولة إلى رسمه بما يتوافق مع مصالحهما المباشرة.
وبين هذا وذاك، تبقى البلاد أمام اختبار صعب يتوقف نجاحه على قدرة الأطراف كافة على تجنب المغامرات السياسية والتوافق على أولوية واحدة: إيصال الليبيين إلى صناديق الاقتراع.