دولى

صراع القوى العظمى على أفغانستان: قاعدة باغرام بين الهيمنة والسيادة

السيناريوهات المحتملة للأزمة: تصعيد أم تفاوض أم مواجهة؟

ليبيا 24:

ترامب يشعل فتيل الأزمة

لم تكن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول “استعادة” قاعدة باغرام الجوية مجرد زلة لسان انتخابية، بل رسالة سياسية محسوبة للداخل الأمريكي وخصوم واشنطن في الخارج.

فقد ربط ترامب القاعدة الأفغانية بالبرنامج النووي الصيني، محاولًا توجيه النقاش من علاقة ثنائية بين واشنطن وكابول إلى مواجهة إستراتيجية مع بكين.

كابول: السيادة خط أحمر

جاء الرد الأفغاني سريعًا وحازمًا فرئيس الأركان قاري فصيح الدين فطرت أكد أن بلاده لن تتنازل عن شبر واحد من قاعدة باغرام.

وفي السياق نفسه شدّد مسؤولون بوزارة الخارجية على أن العلاقة مع الولايات المتحدة يمكن أن تكون سياسية واقتصادية متوازنة، لكن دون أي وجود عسكري أجنبي داخل الأراضي الأفغانية.

الصين تدخل على الخط

الصين، التي تتابع التطورات عن كثب، أعلنت بوضوح أن “مستقبل أفغانستان يجب أن يكون بيد شعبها، ” ورغم الصياغة الدبلوماسية، فإن الرسالة الحقيقية كانت تحذيرًا من أن أي محاولة أمريكية للعودة إلى باغرام ستُعتبر تهديدًا مباشرًا لمصالح بكين ولمشروع “الحزام والطريق” الذي يمر بالقرب من المنطقة.

قاعدة باغرام.. موقع لا يقدّر بثمن

تقع باغرام في مقاطعة باروان على بُعد 50 كيلومترًا شمال كابول، وتتميز بموقع يجعلها قريبة من حدود الصين وروسيا وإيران وباكستان، ما يمنحها أهمية إستراتيجية فائقة.

وخلال عقدين من الاحتلال الأمريكي، تحولت القاعدة إلى مدينة عسكرية متكاملة بتكلفة تجاوزت 6 مليارات دولار، قبل أن تتحول بعد الانسحاب الأمريكي عام 2021 إلى رمز “للهزيمة” في أطول حروب واشنطن.

لماذا يصعب تكرار التجربة الأمريكية؟

اليوم تختلف المعادلة جذريًا، طالبان باتت أكثر قوة وتماسكًا من أي وقت مضى، وتحظى بدعم غير مسبوق من الصين وروسيا وإيران، كما أن إرث المقاومة الأفغاني ضد القوى الاستعمارية السابقة منح البلاد ثقة متجذرة بقدرتها على صد أي عدوان جديد.

أما من الناحية الأمريكية، فإن تكلفة فتح جبهة جديدة في أفغانستان ستكون باهظة للغاية في ظل انشغالها بأزمات أوكرانيا والشرق الأوسط.

باغرام عبر التاريخ

  • المرحلة السوفيتية (1979–1989): مركز لوجستي رئيسي للجيش الأحمر.
  • المرحلة الأمريكية (2001–2021): أكبر قاعدة عسكرية في المنطقة ورمز للوجود الأمريكي.
  • ما بعد الانسحاب: تحت سيطرة طالبان، تُستخدم بشكل محدود لكنها تحافظ على رمزيتها كعنوان للسيادة الوطنية.

السيناريوهات المحتملة

  • تصعيد محدود (40%): ضربات أمريكية محدودة، عقوبات جديدة على طالبان، وتعزيز وجود واشنطن في دول مجاورة.
  • مفاوضات سرية (35%): وساطات إقليمية للتوصل إلى تفاهمات، تعاون استخباراتي محدود مقابل رفع بعض العقوبات.
  • مواجهة شاملة (25%): محاولة أمريكية بالقوة للعودة إلى باغرام، وهو سيناريو يفتح الباب لتحالف مضاد تقوده أفغانستان مع الصين وإيران وروسيا.

الهيمنة في مواجهة السيادة

الأزمة حول باغرام ليست مجرد خلاف على قاعدة عسكرية، بل اختبار لشكل النظام الدولي الجديد، فالولايات المتحدة تسعى إلى استعادة نفوذها، فيما ترفع أفغانستان ومعها الصين وروسيا وإيران شعار السيادة الوطنية وفي عالم متعدد الأقطاب، لم يعد من السهل فرض الإرادة بالقوة كما كان في الماضي.

خاتمة: “مقبرة الإمبراطوريات” من جديد

تثبت الأحداث أن أفغانستان ما زالت وفية لسمعتها التاريخية كمقبرة للإمبراطوريات، فقاعدة باغرام لم تعد مجرد منشأة عسكرية، بل تحولت إلى رمز لصراع عالمي أكبر بين منطق الهيمنة ومنطق السيادة، ويبدو أن المستقبل يميل لصالح الشعوب التي اختارت الدفاع عن استقلالها مهما كانت الضغوط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى