اقتصادليبيا

ضعف التجارة الإلكترونية في ليبيا… الأسباب والتحديات

بنية تحتية ضعيفة وقصور قانوني وغياب التوعية

رغم النمو العالمي المتسارع للتجارة الإلكترونية، إلا أن هذا القطاع في ليبيا لا يزال يواجه تحديات جوهرية تعيق تطوره واستقراره. فضعف البنية التحتية، وقصور الإطار القانوني، إلى جانب محدودية الخدمات المصرفية الرقمية، ساهمت جميعها في الحد من انتشاره، مما يتطلب تدخلًا مؤسسيًا شاملًا لتهيئة بيئة مواتية لهذا النوع من النشاط الاقتصادي.

التحديات الأساسية

تتجلى أبرز التحديات التي تواجه التجارة الإلكترونية في ليبيا في عدة جوانب، تبدأ من البنية التحتية، ولا تنتهي عند غياب الرقابة القانونية. فضعف شبكة الاتصالات والإنترنت يعيق بشكل مباشر قدرة المستخدمين على الوصول السلس إلى المنصات الرقمية، في وقت لا تزال فيه المصارف الليبية عاجزة عن تقديم حلول دفع إلكتروني فعّالة، سواء عبر بطاقات السحب أو نقاط البيع أو المحافظ الإلكترونية.

هذا الواقع ينعكس سلبًا على كل من التاجر والمستهلك، إذ يفتقد الطرفان للثقة في العمليات الإلكترونية بسبب كثرة الأعطال وضعف الحماية وسوء الخدمة، ما يدفع الغالبية إلى تفضيل المعاملات التقليدية.

قصور الإطار القانوني والمؤسسي

يزداد تعقيد المشهد بغياب واضح لتشريعات خاصة تنظم التجارة الإلكترونية وتحمي حقوق المستخدمين. كما لا توجد جهة رقابية فعالة تتابع نشاط المتاجر والمنصات الإلكترونية، ما يجعل الكثير من العمليات عرضة للغش أو الاحتيال أو انتهاك الخصوصية، دون وجود ضمانات قانونية تتيح للمستهلك استرجاع حقه أو المطالبة بتعويض في حال التضرر.

واقع محدود لاستخدام التجارة الإلكترونية

في ظل هذه التحديات، يقتصر استخدام التجارة الإلكترونية حاليًا في ليبيا على بعض المجالات، مثل شراء السيارات، وتداول الأسهم، والتمويلات الاستثمارية، وهي استخدامات تظل نخبوية ومحدودة، نظرًا لضعف الوعي المجتمعي وانتشار ثقافة “الشراء التقليدي”، خاصة في الفئات العمرية الأكبر سنًا.

ويُلاحظ أن فئة الشباب هي الأكثر استعدادًا للتعامل مع التجارة الإلكترونية، إلا أن ذلك لا يكفي لتحقيق تحول شامل ما لم يُرفق ببرامج تأهيلية وتوعوية تعزز ثقة المجتمع بهذا النمط الحديث من المعاملات.

الاقتصاد الموازي والمخاطر المرتبطة

في ظل غياب الإطار التنظيمي الرسمي، تتحرك التجارة الإلكترونية حاليًا ضمن إطار الاقتصاد الموازي أو اقتصاد الظل، وهو ما يشكل خطرًا حقيقيًا على الاقتصاد الوطني. فعدم خضوع هذه الأنشطة للرقابة الضريبية يضيع على الدولة موارد مالية مهمة، كما يفتح الباب أمام استخدام التجارة الإلكترونية كوسيلة لغسيل الأموال أو تنفيذ معاملات غير شرعية.

الحاجة إلى بنية داعمة وشاملة

إن أي تحول حقيقي نحو الاقتصاد الرقمي يتطلب استثمارًا طويل الأمد في بيئة مستقرة وداعمة. ويشمل ذلك تهيئة البنية التحتية الرقمية والمصرفية وإصدار تشريعات واضحة لتنظيم التجارة الإلكترونية وحماية المستهلك وإطلاق برامج وطنية للتدريب والتأهيل، تستهدف مختلف الفئات العمرية فضلا عن تعزيز الوعي المجتمعي، عبر حملات إعلامية وورش عمل تشرح مزايا ومخاطر التجارة الإلكترونية بشكل مسؤول.

كما أن تأمين التجارة الإلكترونية لا يقتصر على الجوانب التقنية، بل يمتد إلى حماية المستخدم من الاحتيال والقرصنة وسرقة البيانات، ما يستدعي توفير بنية قوية للأمن السيبراني، وضمان التحقق من هوية المستخدمين، ومراقبة آليات تحويل الأموال عبر الإنترنت.

في ضوء ما سبق، يمكن تلخيص التوصيات الرئيسية في إنشاء هيئة وطنية مستقلة لتنظيم التجارة الإلكترونية،وتحديث الإطار القانوني، بإصدار قانون شامل ينظم التجارة الإلكترونية ويحدد حقوق وواجبات جميع الأطراف وربط المنصات التجارية بالمنظومة الضريبية، لضمان التحصيل العادل وشفافية المعاملات توسيع نطاق خدمات الدفع الإلكتروني، وتحفيز المصارف على تبني تقنيات حديثة مع نشر الوعي المجتمعي، من خلال المناهج التعليمية، والحملات التثقيفية، والدورات التدريبية.

رغم الصعوبات القائمة، لا يزال بإمكان ليبيا اللحاق بركب الاقتصاد الرقمي، شريطة توفر الإرادة السياسية والتنسيق المؤسسي وتكثيف الجهود التوعوية والتقنية. فالتجارة الإلكترونية تمثل اليوم فرصة حقيقية للنمو الاقتصادي، ووسيلة لدمج ليبيا في الأسواق العالمية، لكن ذلك لن يتحقق ما لم يتم تأسيس بيئة قانونية وتقنية موثوقة وآمنة تعيد الثقة للمستهلك وتدعم الاقتصاد الوطني على أسس سليمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى