ليبيا

ليبيا من الجنوب إلى المتوسط: كيف تُعيد القيادة العامة صياغة موقع الدولة في إفريقيا والعالم؟

كتب: إدريس أحميد

في ظل تحولات متسارعة تشهدها منطقة شمال إفريقيا والساحل الإفريقي، تتجلى أهمية الدور الذي تقوم به القيادة العامة للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في إعادة صياغة التوازنات الأمنية والاستراتيجية، ليس على المستوى الوطني فحسب، بل إقليميًا ودوليًا.

لقد تحوّل الجنوب الليبي، الذي يشكل أكثر من ثلثي مساحة البلاد، من منطقة هامشية عرضة للفراغ الأمني إلى مركز قوة استراتيجي. يأتي هذا التحول نتيجة لجهود القيادة العامة في فرض الأمن وتنسيق الجهود مع دول الجوار، خصوصًا تشاد والنيجر وبوركينا فاسو، لتعزيز الاستقرار ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير النظامية.

التنسيق الأمني ودوره في تعزيز السيادة الوطنية

تبرز اللقاءات المتكرر بين المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي ونائبه الفريق أول صدام خليفة حفتر كأحد الركائز الأساسية للتنسيق الأمني والاستراتيجي، حيث يؤكد هذا التنسيق على تعزيز العمل المشترك بين مختلف الأفرع العسكرية، وهو ما ينعكس إيجابًا على قدرة الجيش الوطني على ضبط الحدود الجنوبية ومواجهة التهديدات الأمنية.

تسيطر القيادة العامة على الجنوب الليبي، خاصة الحدود مع دول الجوار مثل تشاد، وهي منطقة تتمتع بأهمية جيوسياسية واستراتيجية كبيرة للبلدين. فقد نجح الجيش الوطني في تعزيز دوره وسط الظروف التي تمر بها ليبيا، مما جذب اهتمامًا دوليًا في محاربة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

رؤية استراتيجية للتواصل الإقليمي والدولي

تعتمد القيادة العامة للجيش الليبي على رؤية استراتيجية مبنية على التواصل المستمر مع دول الجوار الأفريقي، حيث لعبت الزيارات التي قام بها الفريق أول صدام خليفة حفتر إلى النيجر وبوركينا فاسو وغيرها من دول إفريقيا جنوب الصحراء دورًا بارزًا في تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني.

هذا التعاون الاستراتيجي يسلط الضوء على أهمية الجنوب الليبي ودوره في تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال موقع ليبيا الحيوي في التعاون مع دول إفريقيا جنوب الصحراء، بما يتوافق مع توجهات القيادة العامة في تعزيز العلاقات مع دول الجوار.

الطريق العابر للصحراء: إحياء للدور التاريخي لليبيا

في إطار هذه الرؤية، يتبلور مشروع إنشاء طريق بري يربط ليبيا بدول إفريقيا جنوب الصحراء مرورًا بالنيجر وتشاد وبوركينا فاسو، ما يعيد إحياء الدور التاريخي لليبيا كمركز ربط بين شمال وجنوب القارة الإفريقية.

يمثل هذا الطريق شريانًا اقتصاديًا هامًا يعزز التبادل التجاري، ويوفر قناة آمنة للهجرة القانونية، كما يُعد بديلاً استراتيجيًا للطرق غير الشرعية التي تستغلها شبكات الجريمة المنظمة.

التعاون مع الدول الأوروبية

لا ينفصل هذا الدور المتنامي لليبيا في إفريقيا عن تعاون مستمر ومتزايد مع الدول الأوروبية، لا سيما إيطاليا وفرنسا واليونان، التي ترى في ليبيا شريكًا رئيسيًا في مكافحة الهجرة غير النظامية، ومكافحة الإرهاب، وتعزيز التنمية الاقتصادية من خلال مشاريع البنية التحتية.

اهتمام دولي متوازن: من الولايات المتحدة وروسيا إلى الصين

يحظى الدور الذي تقوم به القيادة العامة للجيش الليبي باهتمام متزايد من القوى الدولية الكبرى:

الولايات المتحدة الأمريكية، عبر قيادة أفريكوم، ترى في الجنوب الليبي نقطة محورية لاستراتيجيتها في مكافحة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار الإقليمي.

روسيا الاتحادية تعزز من تعاونها العسكري مع القيادة العامة وتعتبر الجنوب بوابة نفوذ نحو عمق القارة.

الاتحاد الأوروبي يعمل على دعم ليبيا في ملفات الأمن والهجرة والتنمية.

الصين، التي تتحرك بهدوء حتى الآن، تستعد لزيادة استثماراتها في البنية التحتية والطريق البري العابر للصحراء ضمن مبادرة الحزام والطريق، مما يعزز مكانة ليبيا كحلقة وصل استراتيجية في القارة الإفريقية.

الخاتمة

ما نشهده اليوم هو عودة متدرجة لكن ثابتة لمكانة ليبيا الإقليمية والدولية، حيث لم تعد هذه العودة قاصرة على المدن الساحلية أو العاصمة فقط، بل من الجنوب الليبي، مركز التحولات الجديدة.

تقدم القيادة العامة للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر ونائبه الفريق أول صدام حفتر نموذجًا استراتيجيًا في بناء علاقات إقليمية ودولية قائمة على الأمن المشترك والتنمية المستدامة واحترام السيادة.

ومن خلال التنسيق العابر للحدود، والانفتاح على القارة الإفريقية، وبناء شراكات متوازنة مع القوى الدولية، فإن الدور الذي تقوم به القيادة العامة للجيش الليبي لا يقتصر على الأمن، بل يساهم بفعالية في التعجيل بقيام الدولة الليبية الحديثة التي تستعيد مكانتها الإقليمية والدولية.

من الجنوب نحو إفريقيا، ومن الشرق إلى المتوسط، ومن الموقع إلى الدور، تتحرك ليبيا اليوم بثقة نحو المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى