
خلال العشرة أيام الأخيرة، برز اسم صدام حفتر – النائب الجديد للقائد العام – كأكثر الشخصيات حضورًا وتحركًا على الساحة الليبية، وخصوصًا في مناطق الجنوب. تنقلاته المكثفة والمفاجئة رسمت مشهدًا غير تقليدي لقائد عسكري، حيث بدا وكأنه يخوض سباقًا مع الزمن للوصول إلى كافة أطراف البلاد، دون تمييز بين قرية نائية أو مدينة مركزية.
فمن سرت إلى بنغازي، مرورًا بـالشاطئ ومرادة، ثم سبها، وصولًا إلى القاهرة، ومنها إلى تراغن والقطرون، وختامًا بـواو الناموس على القاطع الحدودي، تشكلت خارطة زياراته التي تزيد – بحسب التقديرات – عن عشرة آلاف كيلومتر من التنقل البري والجوي خلال فترة قصيرة. هذه الزيارات لم تكن عسكرية الطابع فحسب، بل تنوعت بين ملفات التنمية المحلية، والتواصل المجتمعي، والمصالحات الاجتماعية، مما يعكس تغيرًا نوعيًا في طبيعة الدور الذي بات يمارسه الرجل.
زيارات شملت لقاءات مع القيادات المحلية وعمداء البلديات
اللافت في هذه الجولة ووفق الدبلوماسي السابق حسن الصغير أنها لم تقتصر على تفقد الوحدات العسكرية أو المؤسسات الأمنية، بل شملت لقاءات مع القيادات المحلية، وعمداء البلديات، ورؤساء الجامعات، ووجهاء وأعيان القبائل، والنخب الاجتماعية والفكرية، في رسالة واضحة بأن المرحلة القادمة تتطلب توازنًا بين القيادة الميدانية والتمثيل السياسي.
يحمل صدام حفتر في جعبته – كما تشير المعطيات – حلولًا لبعض الأزمات العاجلة التي تؤرق المواطنين، ويباشر العمل على ملفات أخرى مزمنة طال انتظار معالجتها. هذه الديناميكية في الأداء، وهذه السرعة في الحضور إلى المواطن حيث هو، توحي بملامح نهج جديد عنوانه الحضور، والحل، والتكامل بين الأدوار.
وإذا ما قرأنا هذه التحركات في ضوء التكليف الجديد كنائب للقائد العام، فإننا أمام شخصية آخذة في إعادة تعريف موقعها في المشهد الوطني، ليس فقط كقائد عسكري، بل كشخصية جامعة تسعى لخلق جسور الثقة بين القيادة والمواطنين، وإعادة تموضع الجنوب – وخاصة فزان – في قلب القرار الليبي.
وعليه، فإن تعيين صدام حفتر في هذا المنصب ليس مجرد ترقية عسكرية، بل هو تحول في البوصلة نحو إعادة الاعتبار للجنوب، ولليبيا المهمشة في أطرافها، والتي تحتاج اليوم لمن يحمل همّها ويتنقل بين أهلها.
إننا، نحن أبناء هذه الرقعة التي طالها التهميش والإقصاء، أحقّ بالفرح بهذا التعيين، وأولى بالرهان عليه، ليس لأننا نُسلّم بالأشخاص، بل لأننا نؤمن بالنتائج، وقد لمسنا أولى إشاراتها في هذه الجولة غير المسبوقة.



