غزة بعد وقف إطلاق النار.. نزوح جماعي وأوضاع إنسانية مأساوية
فقر مدقع وانهيار اقتصادي في غزة بعد عامين من العدوان

رغم دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في قطاع غزة، عقب عامين متواصلين من حرب الإبادة التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن الواقع الإنساني والمعيشي لا يزال بعيدًا كل البعد عن الاستقرار. فالدمار الذي لحق بالبنية التحتية، والخراب الذي طاول كل مناحي الحياة، ما يزال يلقي بظلاله الثقيلة على حياة أكثر من مليوني إنسان أنهكتهم الحرب والتشريد والجوع.
نزوح جماعي وحياة بلا مأوى
أغلبية سكان القطاع ما زالوا يعانون من النزوح، يعيشون في خيام مؤقتة أو مآوٍ غير صالحة للحياة، بعد أن التهمت نيران العدوان منازلهم وممتلكاتهم. وتكاد تكون معاناة التشرد هي العنوان الأبرز للحياة اليومية في غزة، وسط بيئة قاسية، وظروف مناخية لا ترحم، حيث لا يجد الكثيرون ما يقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء.
انهيار اقتصادي وفقر مدقع
الحرب لم تُبقِ على شيء إلا وتركته ركامًا، فقد خسر المواطنون مصادر رزقهم، سواء كانت مشاريع تجارية، أو أعمالًا حرة، أو وظائف موسمية. اختفت فرص العمل وتلاشت آمال التعافي الاقتصادي، وعمّ الفقر والعوز، حتى بات من النادر أن تجد عائلة قادرة على تأمين الحد الأدنى من احتياجاتها الأساسية. ولم يعد المواطن الغزيّ قادرًا على تأمين قوت أطفاله، ولا كسوتهم، ولا حتى أبسط حقوقهم في الأمن والطمأنينة.
أزمة غذائية خانقة
الغذاء، الذي يفترض أن يكون من أبسط حقوق الإنسان، أصبح عبئًا ثقيلًا لا يطاق. فأسعار المواد الغذائية الأساسية ما تزال مرتفعة بشكل جنوني، في ظل غياب الدخل ونقص السيولة. ويؤكد المواطنون أن الاحتلال لا يسمح إلا بإدخال أصناف غذائية محدودة، معظمها ليست ضرورية، كالمكرونة السريعة والمشروبات الصناعية، بينما يتم منع دخول الخضروات، والفواكه، واللحوم، والبيض، وهي مواد يحتاجها المواطنون بشدة لتعويض ما فقدوه من عناصر غذائية خلال أشهر طويلة من الحصار والجوع.
الاعتماد على التكايا وغياب السيادة الغذائية
في ظل هذا الواقع المأساوي، لجأت الغالبية العظمى من الأسر إلى الاعتماد على التكايا والمساعدات الخيرية، التي تقدم وجبات متكررة تفتقر للتنوع الغذائي..فالناس لم تعد تجد طعامًا صحيًا، في حين أن أسعار الخضروات والفواكه، إن توفرت، باتت خيالية، ما يجعل الكثير من الأهالي يخشون حتى من مطالبة أطفالهم بشرائها.
استغلال اقتصادي ومعابر مغلقة
كما تفاقمت معاناة الغزيين بسبب تفاوت الأسعار من مكان لآخر، ما وصفه البعض بـ”الحرب الاقتصادية” الجديدة التي تُشن على الغزيين، خاصة مع تحكم بعض التجار بأسعار الصرف واحتسابها بطريقة ترفع أسعار السلع أضعافًا مضاعفة.
تدمير الزراعة ومخاطر المستقبل الغذائي
وفي مشهد أكثر مأساوية، أكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” أن نحو 88% من الأراضي الزراعية في القطاع تعرضت للتدمير أو أصبحت غير قابلة للوصول، مما يعني أن آلاف العائلات التي كانت تعتاش على الزراعة فقدت مصدر دخلها بالكامل، وأن قطاع غزة سيضطر إلى الاعتماد على الاستيراد، رغم الحصار والإغلاق.
مطالبات أممية بإنقاذ القطاع
وفي خضم هذه الكارثة الإنسانية، دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إلى أن تكون حقوق الإنسان في قلب عملية التعافي، مطالبًا بإعادة وصول الغذاء والماء والرعاية الصحية بشكل عاجل، مع التأكيد على ضرورة التقدم في المسار السياسي نحو حل الدولتين، كضمان حقيقي لعدم تكرار هذه الكوارث.
ضحايا العدوان.. جرح لم يندمل
ووفقًا للمصادر الطبية، فقد بلغ عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على غزة منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ نحو 67,967 شهيدًا، بالإضافة إلى 170,179 مصابًا، في حصيلة مرشحة للارتفاع، في ظل صعوبة الوصول للعديد من المناطق المدمرة والأنقاض.
تبدو غزة اليوم مدينةً منهكة، أنهكتها آلة الحرب والجوع والحصار، وتكاد تقف على حافة الانهيار الكامل، إن لم تُسارع الجهات الدولية، والأمم المتحدة، والدول المانحة، إلى اتخاذ خطوات عاجلة وجريئة نحو إنقاذ ما تبقى من حياة في هذا الشريط المحاصر. فالتعافي لن يكون ممكنًا دون رفع الحصار، وضمان تدفق المساعدات، وإعادة الإعمار، ومنح الفلسطينيين حقهم في الحياة الآمنة والكريمة، كما هو حق كل شعوب الأرض