إدريس أحميد يكتب.. قراءة في الدور الأمريكي والبريطاني في ليبيا: صراع النفوذ بين الأطلسي وروسيا
محاولات للتأثير الخارجي على الملفات الاقتصادية الحيوية

بقلم: إدريس أحميد – صحفي وباحث في الشأن السياسي والدولي
ليبيا ساحة النفوذ الدولي
تتسارع التحركات الغربية في المشهد الليبي بين نشاط أمريكي متنامٍ وتحركات بريطانية متزايدة، في سباق يبدو أنه يتجاوز مجرد استقرار ليبيا إلى إعادة رسم خطوط النفوذ داخل بلد يعاني هشاشة سياسية وأمنية مزمنة.
وفي ظل التنافس الدولي المحتدم بين الولايات المتحدة وروسيا، وما يشهده الناتو من توتر داخلي بين بريطانيا وفرنسا على خلفية الحرب في أوكرانيا، باتت ليبيا ساحة لصراع النفوذ بين القوى الكبرى، حيث يسعى كل طرف لتثبيت موطئ قدم له في شمال إفريقيا وشرق المتوسط.
كما تلعب دول إقليمية دورًا مهمًا، خصوصًا مصر وتركيا، ضمن مسارات تتقاطع أحيانًا مع المصالح الدولية، سواء في المجال الأمني أو الاقتصادي.
الوجود البريطاني: النفوذ الخفي
تظهر التحركات البريطانية في ليبيا غالبًا خفية ومباشرة عبر أدوات محددة، سواء في المجال الأمني أو السياسي، مع حرص لندن على تعزيز نفوذها بعيدًا عن الأضواء.
وتحاول بريطانيا التحرك بمرونة لتدعيم أطراف سياسية محددة، بما يتقاطع أحيانًا مع مصالح فرنسا وأطراف غربية أخرى.
في المقابل، تتبنى الولايات المتحدة استراتيجية أكثر وضوحًا، مع التركيز على بناء شراكات استراتيجية مع الأطراف الفاعلة على الأرض.
الدور الأمريكي: الشراكات الاستراتيجية
تمثل الولايات المتحدة القوة الأكثر وضوحًا في الساحة الليبية، مع تركيز على بناء شراكات استراتيجية مع الأطراف الفاعلة على الأرض، خصوصًا في المجال العسكري والأمني، وتثبيت حضورها لضمان مصالحها طويلة الأمد.
الدور الروسي: التوازن الاستراتيجي والتنمية
يمثل الدور الروسي تعاونًا عسكريًا مع القيادة العامة، ولكنه يتجاوز الجانب العسكري ليشمل مصالح اقتصادية ومشاريع تنموية محدودة.
ويُنظر إلى هذا الدور على أنه مهم لخلق توازن استراتيجي بين القوى الكبرى والإقليمية، خصوصًا في ظل المصالح المشتركة مع الأطراف الليبية، دون أن يحل محل القوة الوطنية الحقيقية للقيادة العامة.
الدور المصري: الأمن والمصالح الاقتصادية
يلعب الدور المصري دورًا إقليميًا قائمًا على المصالح الأمنية والاقتصادية، مع التركيز على استقرار الحدود الغربية ومكافحة أي تهديدات أمنية محتملة، إلى جانب متابعة مصالح اقتصادية مرتبطة بالشراكات التجارية والطاقة.
الدور التركي: التعاون والمصالح الاقتصادية
تركيا تسعى من جانبها إلى تعزيز حضور اقتصادي وتعاون محدد مع الأطراف الليبية، خصوصًا في مجالات الطاقة والمشاريع التنموية، مع الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في شرق المتوسط، بما يوازن النفوذ الخارجي دون تجاوز السيادة الوطنية.
القيادة العامة: ركيزة الأمن والسيادة
في ظل الانقسام السياسي وفشل الحكومة المركزية، يُبرز الجيش الليبي بقيادة القيادة العامة كونه الطرف الأكثر قدرة على ضمان الأمن والسيطرة على المعابر الحدودية ومصادر الطاقة، ما يجعله محورًا أساسيًا في أي تسوية وطنية مستقبلية.
وتتبنى القيادة العامة سياسة الندّ للندّ في تعاملها مع القوى الكبرى والإقليمية، مع حرص على حماية مصالح الدولة والشعب الليبي أولًا.
التدخل في الملفات الاقتصادية: البنك المركزي والنفط
شهدت ليبيا محاولات للتأثير الخارجي على الملفات الاقتصادية الحيوية، خصوصًا البنك المركزي وقطاع النفط.
ورغم هذا التدخل، تظل السيادة الوطنية والإدارة المحلية للموارد ضرورة لا غنى عنها لضمان استقرار الدولة واستمرار المشاريع التنموية.
الحاجة إلى رؤية وطنية استراتيجية
تتجلى الحاجة إلى رؤية وطنية استراتيجية قوية، تضمن تعزيز السيادة وحماية مصالح الشعب الليبي، مع إدراك القوى الدولية والإقليمية أن أي حضور خارجي يجب أن يكون في إطار احترام السيادة الوطنية، وأن القيادة العامة هي الطرف الأكثر فاعلية على الأرض، وقادرة على ضمان استقرار الدولة وحماية مصالح الشعب بعيدًا عن أي تدخل خارجي.