ليبيا تواجه تحديات الهجرة بين السيادة والضغوط الدولية
أمطيريد: التوطين يخالف القانون الليبي ويهدد الاستقرار الداخلي"

ليبيا 24
ليبيا على مفترق طرق.. أزمة الهجرة تختبر سيادة الدولة وتوازناتها الداخلية
تتصاعد التحديات الأمنية والاجتماعية مع تزايد تدفقات المهاجرين
تشهد ليبيا منذ فترة تصاعداً ملحوظاً في تدفقات المهاجرين عبر أراضيها، مما يضع الحكومة والبرلمان أمام تحديات غير مسبوقة على عدة أصعدة، لعل أبرزها الجوانب الأمنية والقانونية والاجتماعية. وتتابع السلطات الليبية بقلق بالغ تزايد أعداد الوافدين، وسط ضغوط دولية متصاعدة تطالب بإيجاد حلول مستدامة، بما في ذلك خيارات التوطين التي تتعارض مع الثوابت التشريعية للدولة.
سيادة الدولة في مواجهة الضغوط الخارجية
في هذا الإطار، يؤكد الخبراء والمحللون أن السيادة الوطنية والالتزام بالإطار التشريعي يمثلان حجر الزاوية في أي مقاربة لمعالجة ملف الهجرة. ويواجه صانعو القرار في ليبيا اختبارات صعبة لتحقيق التوازن الدقيق بين الالتزامات الدولية من جهة، والحفاظ على الاستقرار الداخلي ومصالح المواطنين من جهة أخرى.
وفي تصريح صحفي رصدته ليبيا 24، يرى المحلل السياسي محمد أمطيريد أن “ملف الهجرة في ليبيا يمثل اليوم تحدياً معقداً يتجاوز مجرد أعداد الوافدين، إذ أصبح محور اهتمام السياسات الداخلية والخارجية للبلاد”. مضيفاً أن “الضغط الدولي، وخصوصاً من بعض الدول الأوروبية، يسعى إلى فرض خيارات مثل التوطين، بينما الواقع القانوني والدستوري الليبي لا يسمح بذلك”.
القانون الليبي يحظر التوطين
ويشير أمطيريد إلى أن “أي خطوة نحو التوطين ستقابل مقاومة شعبية واسعة، خصوصاً أن القانون رقم 24 لسنة 2023 يعاقب بالحبس والغرامة كل من يحاول التوطين، سواء كان مهاجراً أو من يوفر له المأوى”. مؤكداً أن “هذا الواقع يضع الحكومة في موقف حرج بين الالتزام بالتشريعات الوطنية والاستجابة للضغوط الدولية”.
ويلفت المحلل السياسي إلى أن “السياسات الليبية يجب أن تركز على إدارة التدفقات وتعزيز الأمن الحدودي ومعالجة الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للهجرة دون المساس بالسيادة الوطنية أو تجاوز النصوص التشريعية”. محذراً من أن “أي مسعى خارجي لتغيير الواقع سيصطدم بعقبات قانونية وسياسية حقيقية”.
تأثير التوطين على النسيج الاجتماعي
وتشهد ليبيا تحدياً مزدوجاً يتمثل في ملف توطين المهاجرين، حيث تضطر الحكومة لموازنة الضغوط الدولية مع احتياجات المواطنين المحليين. وتشير بيانات رسمية إلى أن آلاف المهاجرين تم توطينهم في وحدات سكنية حديثة دون خطط دمج واضحة مع البنية التحتية للمواطنين.
وفي هذا السياق، يوضح أمطيريد أن “ملف توطين المهاجرين في ليبيا أصبح أداة مساومة سياسية أكثر منه قضية إنسانية بحتة”. مشيراً إلى أن “الحكومة، منذ تشكيلها، تواجه ضغطاً مستمراً من بعض الدول الأوروبية، وخصوصاً إيطاليا، التي تربط الدعم السياسي والاقتصادي بالتزام ليبيا ببرامج التوطين”.
تفاوت في توزيع الخدمات
ويكشف المحلل السياسي عن مفارقة مهمة، حيث “يواجه المواطن الليبي قيوداً واضحة في الحصول على سكن لائق، بينما تُستثمر الموارد الوطنية في إنشاء وحدات سكنية للمهاجرين تتفوق في الجودة على ما هو متاح للسكان المحليين”. معتبراً أن “هذا الواقع يخلق شعوراً بالتمييز وعدم المساواة”.
ويضيف أمطيريد أن “هذه السياسات تضع الحكومة أمام تحديات مزدوجة؛ أولها اجتماعي مرتبط بالثقة بين الدولة والمواطنين، وثانيها أمني يتمثل في إدارة الحدود والتحكم في المخيمات ومواجهة شبكات التهريب”. مؤكداً أن “هذه الإجراءات الرسمية تُدار ضمن لعبة مصالح دولية تستفيد منها القوى الخارجية لتحقيق أهدافها السياسية، بينما تتحمل ليبيا تبعات التنفيذ داخلياً”.
استنزاف الموارد الوطنية
ويشير الخبير السياسي إلى أن “الضغط على الأجهزة الأمنية لإدارة الحدود، ومراقبة المخيمات، ومواجهة شبكات التهريب يزيد من استنزاف الموارد الوطنية”. محذراً من أن “هذا الواقع يضع البلاد تحت تهديدات متزايدة على الاستقرار الداخلي”.
وفي ظل غياب استراتيجية وطنية شاملة، يحذر أمطيريد من أن “استمرار الوضع الحالي سيؤدي حتماً إلى تفاقم الاحتقان الاجتماعي وزيادة معدلات الإحباط بين السكان”. داعياً إلى “مراجعة عاجلة للسياسات المتبعة لضمان التوازن بين الالتزامات الدولية والأمن الداخلي وحماية مصالح المواطنين”.
خارطة طريق للمستقبل
ويختتم المحلل السياسي حديثه بالتأكيد على أن “الحل الأمثل يكمن في وضع استراتيجية وطنية واضحة لتوزيع الحقوق والموارد بين الليبيين والمهاجرين بطريقة عادلة”. مشدداً على أهمية “الجمع بين الالتزامات الإنسانية الدولية وحماية مصالح المواطنين، مع ضمان عدم تفاقم الاحتقان الاجتماعي”.
ويبقى ملف الهجرة في ليبيا أحد الملفات الشائكة التي تنتظر حلولاً متوازنة تحفظ سيادة الدولة وكرامة الإنسان في آن واحد، في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات جيوسياسية كبيرة تزيد من تعقيد المشهد.