
تشهد مدينة بنغازي في الآونة الأخيرة حراكاً رياضياً متنامياً يعكس تحوّلاً لافتاً في المشهد العام، لا سيما بعد سنوات من التحديات والصراعات. بات من الواضح أن هذه المدينة تسعى إلى استعادة مكانتها، ليس فقط كمركز سياسي أو تاريخي، بل أيضاً كمحطة رياضية بارزة في ليبيا والمنطقة.
من أبرز مظاهر هذا التحول، استضافة الفعاليات والأحداث الرياضية على مستوى محلي ودولي، والتي باتت تكتسب أبعاداً متعددة، تتجاوز حدود الرياضة ذاتها. فتنظيم مباراة ضمن دوري أبطال أفريقيا بين الهلال السوداني والشرطة الكيني، على أرضية ملعب شهداء بنينا في بنغازي – يحمل دلالات عميقة، سواء في الإطار الرمزي أو التنموي أو حتى السياسي.
إقامة مباريات من هذا النوع في بنغازي تعكس تحسناً واضحاً في البنية التحتية الرياضية، ونجاحاً في تلبية المعايير التي تضعها الهيئات الرياضية الدولية، مثل الاتحاد الأفريقي لكرة القدم. اعتماد ملعب شهداء بنينا كموقع رسمي لإقامة مباريات قارية هو بحد ذاته رسالة بأن المدينة بدأت تستعيد عافيتها، وأن ليبيا قادرة على استضافة الفعاليات الكبرى من جديد.
خطوة نحو المصالحة مع الذات وإعادة بناء الهوية الوطنية
أما من الناحية الرمزية، فإن إقامة هذه المباراة في مدينة عانت كثيراً من النزاعات والصراعات، تمثّل خطوة نحو المصالحة مع الذات وإعادة بناء الهوية الوطنية من خلال الرياضة. الملاعب باتت اليوم مساحات للتلاقي، والحوار، والتعبير الجماهيري السلمي، بعد أن كانت تعيش في ظلال العنف والتهميش.
دفعة قوية للحركة التجارية في المدينة
اقتصادياً، تشكل هذه الفعاليات دفعة قوية للحركة التجارية في المدينة، إذ تُنشّط الفنادق، والمطاعم، ووسائل النقل، وتفتح فرصاً جديدة للشباب في مجالات التنظيم والإعلام والخدمات. كما أنها تساهم في الترويج لبنغازي كوجهة سياحية ورياضية واعدة، خاصة إذا ما تم ربطها بفعاليات ثقافية وترفيهية مصاحبة
لقاءات كروية على أرض بنغازي.. تواصل وتنافس شريف
من جهة أخرى، فإن التقاء فرق من دول أفريقية مثل السودان وكينيا داخل الأراضي الليبية يؤكد على دور الرياضة في تعزيز العلاقات الإقليمية، ويمنح بنغازي موقعاً وسطياً في قلب هذا التفاعل. فالرياضة لم تعد فقط منافسة، بل جسراً يربط الشعوب، ويخفف من حدة التوترات، ويفتح الأبواب أمام علاقات تتجاوز السياسة التقليدية.
رغم كل ذلك، تبقى هناك تحديات. تأمين الأحداث وضمان سلامة الجماهير واللاعبين، والارتقاء بمستوى التنظيم، كلها مسؤوليات كبيرة تتطلب جهداً متواصلاً وتخطيطاً دقيقاً. لكن التجارب التي مرت بها المدينة حتى الآن تؤكد قدرتها على التعلم والتطور.
في النهاية، فإن الفعاليات الرياضية التي تقام في بنغازي لا تمثّل فقط مباريات تُلعب على المستطيل الأخضر، بل هي مشاهد من قصة نهوض مدينة تبحث عن نفسها من جديد، وتخطّ لنفسها طريقاً نحو المستقبل من بوابة الرياضة.