
مشهد سياسي متوتر يشهده ملف ليبيا مع تصاعد حدة الانتقادات الموجهة للبعثة الأممية، فيما تحذيرات من عواقب استمرار “الانحياز”.
بنغازي – تصاعدت حدة التوتر بين الحكومة الليبية في شرق البلاد والبعثة الأممية، بعد إعلان رئيس الحكومة، أسامة حماد، تقديم شكوى رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، احتجاجاً على أداء المبعثة الأممية ورئيستها. ووصف حماد تصرفات البعثة بـ”العبثية”، في خطوة قال محللون إنها تعكس نفاد الصبر من سياسات “غير متوازنة”.
شكوى رسمية واتهامات بالانحياز
وجّه رئيس الحكومة الليبية، أسامة حماد، اتهامات صريحة للبعثة الأممية في ليبيا، معتبراً أن نهجها يشكل “انحرافاً خطيراً” عن المهام الموكلة إليها. وأكد أن تصرفات البعثة “تقوّض الثقة في حيادها ومصداقيتها”، معرباً عن رفضه لما وصفه بـ”التجاوزات” المستمرة.
وجاءت هذه التصريحات في أعقاب الإعلان عن تقديم شكوى رسمية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، تندد بأداء البعثة ورئيستها، هنا تيتيه، في خطوة غير مسبوقة تزيد من تعقيد المشهد السياسي الليبي وتسلط الضوء على عمق الخلافات مع المبعثة الدولية.
تحليلات: الأزمة أعمق من مجرد خلاف عابر
من جهته، علق المحلل السياسي، كامل المرعاش، على هذه التطورات، واصفاً الوضع الحالي بأنه “أكثر من أزمة”. وأشار المرعاش إلى أن جذور المشكلة تكمن في منهجية عمل البعثة الأممية التي، بحسب رأيه، “لا تتعامل مع كل الأطراف المحلية بواقعية وحياد”.
وأوضح المرعاش في تصريح صحفي أن البعثة “تولي اهتماماً غير مبرر ببعض الأقليات العرقية، يصل أحياناً إلى دفعها للعب دور أكبر من حجمها”، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن البعثة “تتجاهل الحكومة ذات المنشأ الليبي الخالص، التي صادق عليها البرلمان الشرعي”.
مقاطعة مستمرة وتجاهل للإنجازات
ولفت المرعاش إلى أن سياسة التجاهل التي تتبعها البعثة الأممية لا تقتصر على عدم الاعتراف، بل تمتد إلى تجاهل إنجازات ما يُعرف بحكومة الاستقرار الوطني. وقال: “رئيسة البعثة ونائبتها تزوران بنغازي باستمرار، وتؤمن لهما حكومة الدكتور أسامة حماد كل ما يتطلبه الأمر من كرم الضيافة والاستقبال والتنقل والأمن، إلا أن ذلك يُقابل منذ زمن بتجاهل واضح لعمل الحكومة”.
وتابع قائلاً: “بل إن البعثة تتجاهل إنجازاتها في تقاريرها، وأحياناً توجه لها أشد الانتقادات بوصفها حكومة موازية”، معتبراً أن هذا النهج يزيد من اتساع هوة الثقة بين الجانبين.
تحذيرات من عواقب وخيمة واستمرار التصعيد
لم يقتصر حديث المرعاش على تحليل الأزمة، بل تجاوزه إلى التلميح بعواقب قد تصل إلى حد فرض عقوبات عملية على البعثة الأممية. حيث حذر من أن “تصرفات البعثة لن تستمر إلى أجل غير مسمى”، مشيراً إلى إمكانية أن “تفقد قريباً كل امتيازاتها في السفر والتنقل داخل مناطق سيطرة حكومة الاستقرار، التي تمثل أكثر من ثلثي جغرافيا ليبيا”.
ورأى أن حرمان البعثة من هذه الامتيازات سيجبرها على التواصل فقط مع “بقايا حكومة عبد الحميد الدبيبة والميليشيات التي تسيطر على مدن شمال الغرب الليبي”، معتبراً أن هذا الوضع “في حد ذاته يعني عدم جدوى وجودها ووجوب رحيلها إلى غير رجعة”.
خريطة جديدة للعلاقات الدولية في ليبيا
تشير هذه التصريحات والتحليلات إلى تحول محتمل في طبيعة التعامل بين الأطراف الليبية والبعثة الأممية. فالشكوى الرسمية والخطاب الإعلامي الحاد ينمّان عن توجه جديد قد يطبع المرحلة القادمة، قائماً على التشدد ورفض سياسة “التجاهل” المتبعة سابقاً.
ويبدو أن الحكومة الليبية في الشرق، التي تشعر بتزايد قوتها وتمدد نفوذها الجغرافي، لم تعد مستعدة للتعامل مع منطق “الطرف الوحيد” الذي تفرضه بعض الأطراف الدولية، مما يضع البعثة الأممية أمام خيارين صعبين: إما مراجعة شاملة لاستراتيجيتها وآلية عملها في ليبيا لاستعادة الثقة، أو مواجهة المزيد من العزلة في مساحات شاسعة من البلاد، مع ما يحمله ذلك من تبعات على مستقبل العملية السياسية برمتها.



