دولىليبيا

في ذكرى تأسيسها..الأمم المتحدة بين الطموح والفشل .. التجربة الليبية نموذج

الأمم المتحدة أمام الاختبار الصعب في ليبيا

في ذكرى تأسيس منظمة الأمم المتحدة، تتجدد الأسئلة حول مدى قدرتها على تحقيق رسالتها في إحلال السلام ودعم الشعوب في مراحل الأزمات. وتبرز الحالة الليبية اليوم كواحدة من أبرز المحطات التي كشفت هشاشة أدوات المنظمة، وضعف تأثيرها في إدارة النزاعات، وتراجع قدرتها على تحقيق التسويات السياسية العادلة والمستدامة.

فشل في حماية المدنيين وضمان حقوق الإنسان في ليبيا

منذ بداية الأزمة، تولّت الأمم المتحدة عبر بعثتها للدعم في ليبيا مهمة الإشراف على العملية السياسية ومساندة مؤسسات الدولة الناشئة، أملاً في الوصول إلى نظام موحّد يعبّر عن إرادة الليبيين جميعاً. غير أن المسار سرعان ما تعثّر، وتحوّلت الجهود الأممية إلى سلسلة من المبادرات المتقطعة، تفتقر إلى الاتساق والفاعلية، وتغيب عنها الرؤية الواضحة لمآلات الأزمة ومستقبلها.

المبعوثون يتبدّلون، والخطط تتغير، والمشهد يعيد نفسه بلا نهاية

لقد كان من المفترض أن تكون الأمم المتحدة جهة محايدة، قادرة على جمع الفرقاء تحت مظلة واحدة. إلا أن الانقسامات السياسية العميقة، والتدخلات الخارجية المتشابكة، وغياب أدوات الضغط الفعلية، جعلت المنظمة عاجزة عن فرض أي اتفاق يضمن الاستقرار أو يمهّد لإجراء انتخابات وطنية شاملة. وظلّت خارطة الطريق الأممية تتبدل بتبدّل المبعوثين وتغيّر الظروف، دون أن تقترب من تحقيق هدفها الأساسي: توحيد المؤسسات وبناء الثقة بين الأطراف الليبية.

الليبيون يتساءلون: أين ذهبت الوعود الأممية؟

كما فشلت الأمم المتحدة في معالجة الملف الأمني، إذ بقيت الميليشيات المسلحة خارج سلطة الدولة، فيما لم تستطع البعثة فرض ترتيبات أمنية تضمن السلام الأهلي أو حماية المدنيين. ومع كل جولة تصعيد أو مواجهة في مناطق ليبيا الغربية، كانت المنظمة تكتفي ببيانات التنديد والدعوة إلى التهدئة، من دون إجراءات ملموسة تعيد للدولة هيبتها أو تردع من يعبث بأمن البلاد.

أما على صعيد حقوق الإنسان، فقد أظهرت التقارير الأممية المتعاقبة حجم الانتهاكات، من اعتقالات تعسفية وتعذيب وتهجير قسري، لكن الاستجابة بقيت ضعيفة، والمساءلة شبه غائبة. وهو ما أضعف ثقة المواطنين في دور المنظمة، وأعطى انطباعاً بأنها تمارس عملاً دبلوماسياً شكلياً لا يترجم إلى نتائج واقعية.

ومع مرور الأعوام، تحوّل حضور الأمم المتحدة في ليبيا إلى حضور رمزي أكثر منه فعلياً. فالمجتمع الدولي منقسم، ومجلس الأمن مكبّل بتجاذبات المصالح، والبعثة الأممية تفتقر إلى التفويض الواضح والقدرة التنفيذية. وبدلاً من أن تكون الأمم المتحدة أداة لتقريب وجهات النظر، أصبحت في أحيان كثيرة مرآة تعكس الانقسام الدولي نفسه.

إن فشل المنظمة في ليبيا لا يعود إلى سوء النية أو غياب الجهود، بل إلى خلل عميق في بنيتها وآليات عملها. فالتحديات المعاصرة — كتشابك الصراعات، وتعدد اللاعبين الإقليميين تتجاوز ما وُضع للأمم المتحدة من صلاحيات زمن تأسيسها. وبالتالي، فإن التجربة الليبية تكشف الحاجة الماسة إلى إعادة تعريف دور المنظمة في أزمات الدول المنقسمة، بما يضمن لها فاعلية حقيقية لا تقتصر على الوساطة الشكلية أو البيانات الدبلوماسية.

وفي ذكرى تأسيس الأمم المتحدة، يبدو المشهد الليبي كاختبار قاسٍ لمدى قدرة المنظمة على تجديد أدواتها واستعادة ثقة الشعوب بها… فبين التحديات السياسية والانقسام الميداني، تبقى ليبيا شاهداً على أن السلام لا يتحقق بالقرارات وحدها، بل بإرادة دولية صادقة، ومساندة واقعية للشعوب التي أنهكتها الفوضى والصراع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى