افتتاح المصري المتحف الكبير.. فصل جديد من التاريخ وشهادة حية على عبقرية الإنسان والمكان

على أرض مصر، مهد الحضارات وملتقى العصور، كتب المصريون فصلًا جديدًا من المجد بمداد من نور، حين افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي المتحف المصري الكبير، الصرح الأعظم الذي يقف شاهدًا على عبقرية الإنسان المصري، الذي لم تنكسر عزيمته يومًا، ولم تنطفئ جذوة إبداعه رغم تعاقب الأزمنة.
في لحظة طال انتظارها، رحّب السيسي بضيوف مصر الكرام من مختلف أنحاء العالم، مؤكدًا أن مصرأقدم حضارة عرفها التاريخ لا تزال تمدّ العالم بأنوارها. وقال في كلمته خلال الاحتفالية:
“نكتب اليوم فصلاً جديدًا من التاريخ بافتتاح المتحف المصري الكبير، فهذا الصرح العظيم ليس مجرد مكان لحفظ الآثار النفيسة، بل شهادة حية على عبقرية الإنسان المصري، الذي شيد الأهرام ونقش على الجدران سيرة الخلود.”
احتفالية تليق بالحضارة
شهد حفل الافتتاح حضور ما يقرب من ثمانين وفدًا دوليًا، من الرؤساء والملوك ، إضافة إلى ممثلي المنظمات الإقليمية والدولية وكبرى الشركات العالمية.
واستُهل الحفل بعرض فني مهيب بعنوان “العالم يعزف لحناً واحداً”، تلاه عرض للّيزر والطائرات المسيّرة “الدرونز” شرح العلاقة بين تصميم المتحف ونظرية حزام أوريون المرتبطة بالأهرامات، في إشارة إلى الترابط بين الماضي والحاضر في رؤية معمارية وإنسانية واحدة.
ثم توالت الفقرات الفنية التي جسّدت رحلة المصريين عبر العصور من بناء هرم زوسر إلى إنجازات العصر الحديث لتتداخل الأناشيد القبطية مع الإنشاد الصوفي في لوحة روحية واحدة، عكست روح التسامح ووحدة النسيج المصري عبر التاريخ، واختُتم العرض بعبارة نُسجت في سماء الجيزة:
“الحضارات تزدهر وقت السلام”.
رمزية الافتتاح
عقب كلمته الرسمية، وضع الرئيس السيسي القطعة الأخيرة في مجسم المتحف المصري الكبير إيذانًا بالافتتاح الرسمي، في مشهد رمزي عبّر عن اكتمال الحلم الوطني الذي طال انتظاره. وقد تلقّى قادة الدول المشاركة نماذج مصغّرة من المتحف وقطعًا تذكارية تحمل اسم كل دولة، في رسالة تعاون حضاري وإنساني.
وشهد الحفل كذلك عروضًا فنية تمزج بين الإبهار التقني والروح التاريخية، أبرزها عرض الملك رمسيس الثاني، وفقرة عن الآثار الغارقة في الإسكندرية، واستعراض الدرج العظيم الذي يضم مئات القطع الأثرية النادرة. وتوّجت الليلة بعروض مبهرة عن مراكب الشمس وكنوز الملك توت عنخ آمون، التي جسدت قصة الفتى الصغير حسين عبد الرسول مكتشف المقبرة الأسطورية، لتُختتم الفعاليات بالألعاب النارية وعروض الليزر التي أضاءت سماء الجيزة في مشهد لن يُنسى.
صرح للحضارة والسلام
قال الرئيس السيسي في كلمته: “هذا المتحف ليس فقط لتخليد الماضي، بل هو منبر للحوار ومقصد للمعرفة ومنارة لكل من يؤمن بقيمة الإنسان.”
تلك الكلمات اختصرت رؤية مصر الجديدة، التي لا تنظر إلى الماضي كذكرى، بل كطاقة متجددة لبناء المستقبل. فالمتحف المصري الكبير الأكبر من نوعه في العالم المخصص لحضارة واحدة يضم بين جدرانه أكثر من مئة ألف قطعة أثرية، من بينها المجموعة الكاملة لكنوز الملك توت عنخ آمون، ويعد نموذجًا للتكامل بين العلم والفن والهندسة الحديثة.
وأكد وزير السياحة والآثار، شريف فتحي، أن افتتاح المتحف يمثل لحظة تاريخية ستغيّر الخريطة الثقافية والسياحية لمصر. وأوضح أن عدد الزائرين المتوقع هذا العام قد يتجاوز 18 مليون سائح، مشيرًا إلى أن الأسعار في متناول الجميع، مع تسهيلات للحجز الإلكتروني وتنظيم زيارات مدرسية موسعة لتعزيز الوعي بالتراث الوطني.
كما شدد الوزير على جهود مصر في استرداد آثارها المهربة، مؤكدًا أن المتحف سيكون مركزًا عالميًا للأبحاث والحفاظ على التراث الإنساني، وليس مجرد وجهة للعرض السياحي.
مصر… رسالة حضارة لا تنتهي
إن افتتاح المتحف المصري الكبير ليس مجرد حدث رسمي، بل ميلاد حضاري جديد يُجسّد رسالة مصر إلى العالم: أن السلام هو طريق الازدهار، وأن الحضارة المصرية التي ألهمت الإنسانية منذ فجر التاريخ لا تزال نابضة بالحياة.ففي كل حجر من جدران المتحف، وفي كل قطعة أثرية تروي قصة مجد، يتجسد الإبداع المصري في أبهى صوره.
وهكذا، يطل المتحف المصري الكبير على العالم كمنارة للمعرفة، وجسر بين الماضي العريق والمستقبل الواعد، لتبقى مصر كما كانت دائما قلب الحضارة النابض، ومهد السلام والجمال والإنسانية.



