حكومة الدبيبة تفقد نصف وزرائها بين الإقالات والتحقيقات
أحكام واتهامات تُصيب حكومة الوحدة الوطنية بالشلل الإداري!
ليبيا 24 – عبدالعزيز الزقم:
حكومة الدبيبة… غائبة بنصف تشكيلها!
بينما يستعد المشهد الليبي لجولة جديدة من المناكفات السياسية، تقف الحكومة منتهية الولاية برئاسة عبد الحميد الدبيبة على أعتاب أزمة داخلية غير مسبوقة، إذ تكشف بيانات وإجراءات قضائية عن تغيّب أو إيقاف ما يقرب من نصف وزرائها عن ممارسة مهامهم، في واحدة من أكثر الحالات التي تُظهر حجم الفساد والتسيّب الإداري داخل مؤسسات الدولة التنفيذية.
ورغم محاولات رئيس الحكومة الإبقاء على تماسك فريقه، فإن الواقع يشير إلى حكومة شبه مشلولة، نصفها موقوف أو مُقال أو مستقيل، بينما النصف الآخر يترقب مصيره في انتظار تحقيقات أو قرارات إدارية جديدة.
وزراء خارج الخدمة… بين الإقالة والاستقالة وأحكام القضاء
الوزراء الذين سقطوا من «رفّ الحكومة» ليسوا قلة. فبحسب المعلومات، تضم قائمة المغيبين عن المشهد 18 وزيرًا، منهم من أُقيل، ومنهم من استقال تحت الضغط، وآخرون يخضعون لتحقيقات في شبهات فساد أو سوء إدارة مالية.
على رأس القائمة يأتي علي العابد الرضاء، وزير العمل والتأهيل، الذي يواجه تحقيقات تتعلق بقضية فساد تخص ملف «الكتاب المدرسي» ضمن وزارة التعليم.
ويليه عمران القيب، وزير التعليم العالي، الموقوف بدوره بسبب شبهات مالية وإدارية، في وقت يعيش فيه قطاع التعليم الليبي أزمة متشابكة بين سوء التخطيط وضعف الموارد.
أما خالد المبروك، وزير المالية، فيقبع تحت دائرة التحقيق في ملفات صرف وميزانيات غير شفافة، وسط تساؤلات عن مصير مليارات الدولارات التي أُنفقت دون وضوح أو رقابة برلمانية.
ولم يكن بدر الدين التومي، وزير الحكم المحلي، بعيدًا عن العاصفة، إذ أُوقف بقرار إداري بعد خلافات حادة داخل الحكومة بشأن صلاحيات البلديات وآليات توزيع الموارد.
من جهتها، كانت نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية، أول الراحلين من حكومة الدبيبة، بعد استقالتها إثر أزمة لقاء مسؤولين من تل أبيب، وهي الحادثة التي فجرت موجة غضب شعبي وسياسي، وأجبرت رئيس الحكومة على قبول استقالتها تجنبًا لتداعيات أوسع.
كما شملت الإيقافات علي الزناتي، وزير الصحة، الذي يواجه اتهامات متعلقة بتوريدات طبية وصفقات مشبوهة في ظل ضعف منظومة الرعاية الصحية العامة، ومحمد الحويج، وزير الاقتصاد والتجارة، الذي طاولته اتهامات تضارب مصالح وعقود غير شفافة في ملف الاستيراد والتوريد.
حكومة بوزراء غائبين ونصاب ناقص
بلغ عدد أعضاء حكومة الدبيبة 34 وزيرًا، لكن نصفهم تقريبًا أصبح خارج الخدمة، وهو ما يجعل الحكومة تعمل بنظام «التناوب غير المعلن» — يومٌ يحضر وزير، ويومٌ يصدر بحقه قرار توقيف أو إقالة!
وفي ظل هذا الشلل الإداري، باتت مؤسسات الدولة في طرابلس تعمل وفق «التسيير الذاتي»، حيث يتولى وكلاء الوزارات أو مدراء الإدارات مهام التسيير المؤقت، دون إطار قانوني واضح أو رقابة مركزية، ما يفاقم حالة الفوضى ويهدد بانهيار متسارع في الخدمات العامة.
الدبيبة… رئيس حكومة ووزير دفاع في آن واحد
يحتفظ عبد الحميد الدبيبة لنفسه بمنصب وزير الدفاع منذ تشكيل الحكومة في مارس 2021، مبررًا ذلك بـ«حساسية الملف الأمني». لكن مراقبين يرون أن احتفاظه بالمنصب يمنحه نفوذًا استثنائيًا في توجيه المشهد الأمني وتوظيفه سياسيًا، خصوصًا في مواجهة خصومه في الشرق الليبي.
ويشير محللون إلى أن ازدواجية المناصب داخل الحكومة لا تعكس فقط غياب الكفاءة المؤسسية، بل تكشف عن مركزية مفرطة في إدارة الدولة، ما أدى إلى تعطل مؤسسات الرقابة والمساءلة، وتداخل المسؤوليات بين الوزارات والهيئات.
الفساد الإداري… العنوان الأبرز لأداء الحكومة
بحسب تقارير ديوان المحاسبة وهيئة الرقابة الإدارية، تتصدر حكومة الوحدة الوطنية مؤشرات الإنفاق غير المبرر وتضارب المصالح في العقود الحكومية.
التحقيقات الجارية مع عدد من الوزراء تكشف شبكة من العلاقات المعقدة تربط مسؤولين حكوميين برجال أعمال وموردين، استغلوا غياب الرقابة البرلمانية وضعف السلطة القضائية لتنفيذ صفقات بملايين الدولارات.
ورغم نفي الحكومة المتكرر لتلك الاتهامات، فإن الوقائع الميدانية تثبت أن الفساد لم يعد ظاهرة فردية، بل أصبح جزءًا من منظومة إدارية مترهلة، تعيش على المحاصصة السياسية وتبادل الولاءات.
الشارع الليبي يسخر: «حكومة الفراغ الوطني»
في المقاهي ووسائل التواصل الاجتماعي، تحولت أخبار الإقالات والتحقيقات إلى مادة للسخرية اليومية.
فقد علّق أحد الليبيين مازحًا: «تبدو الحكومة وكأنها تعاني غيابًا جماعيًا يفوق ما تشهده المدارس الابتدائية!»
وقال آخر: «وحدة وطنية؟ نعم، موحدة على الغياب!»
في حين كتب ثالث: «لو كان للحكومة وزراء احتياط، لاكتمل النصاب!»
أما الأكثر تداولًا فكان: «ربما الأجدر تسميتها حكومة الفراغ الوطني!»
الأثر السياسي: تآكل الشرعية وتراجع الثقة
يُجمع محللون على أن حالة الاضطراب داخل حكومة الدبيبة تُضعف موقعها السياسي في أي مفاوضات مقبلة بشأن تشكيل حكومة موحدة جديدة.
فبعد أكثر من أربع سنوات على توليها السلطة المؤقتة، لم تنجح حكومة الوحدة الوطنية في تحقيق انتخابات، ولا في فرض الأمن، ولا حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويؤكد مراقبون أن تعدد قرارات الإيقاف والإعفاء يعكس انقسامًا واضحًا بين أجنحة داخلية متناحرة، لكل منها مصالحه وولاءاته، ما يجعل الحديث عن «وحدة وطنية» أمرًا أقرب إلى المجاز السياسي منه إلى الواقع التنفيذي.
خلاصة المشهد
بين حكومة مشلولة ووزراء غائبين وقرارات متضاربة، يعيش الليبيون يوميًا تداعيات غياب الحكم الرشيد: خدمات متعثرة، اقتصاد مضطرب، ومؤسسات بلا قيادة واضحة.
وإذا استمر هذا الوضع، فإن حكومة الدبيبة قد تدخل التاريخ كأول حكومة تتفوق في الغياب على الحضور، وتثبت أن «الوحدة الوطنية» يمكن أن تكون نظرية بلا تطبيق، وشعارًا بلا مضمون.




