ليبيا

أموال دافعي الضرائب بين المسؤولية والمحاسبة ومآرب الدبيبة

الصغير: أموال دافعي الضرائب ليست ملكاً لحكومة الدبيبة لتتصرف بها كما تشاء

في كل دول العالم، لا سيّما تلك التي لا تعتمد على الموارد الريعية، تمثل الضرائب نبض الدولة ومصدر حياتها الاقتصادية. فهي ليست مجرد أموال تُجبى، بل عقد ثقة بين المواطن والحكومة، إذ يدفع الناس ما عليهم إيماناً بأن الدولة ستعيد إليهم ما هو أفضل: خدمات، وبنية تحتية، ومستقبلاً أكثر استقراراً.

غير أن الصورة في ليبيا، كما يصفها الدبلوماسي السابق حسن الصغير، تبدو معكوسة. فبينما تستمر حكومة الوحدة الوطنية في التصرف في الإيرادات كما لو كانت ملكاً خاصاً، يلوح في الأفق سؤال كبير: لمن تعود أموال دافعي الضرائب، ومن يملك حق التصرف فيها؟

الضريبة على النقد الأجنبي التي فُرضت بقرار من مجلس النواب، كانت في ظاهرها خطوة تنظيمية لتقويم السوق ودعم الخزانة العامة. لكنها سرعان ما تحوّلت إلى مورد مالي ضخم تجاوزت عائداته عشرين مليار دينار، لتصبح موضع صراع بين حكومتين ومحل جدل قانوني لا ينتهي.

الصغير: دخل ضريبة النقد الأجنبي تجاوز 20 مليار دينار، والدبيبة يريد إنفاقها بمفرده.

الدبيبة – كما يشير الصغير – يتعامل مع هذه الإيرادات وكأنها من عوائد النفط، يوجهها ويصرفها دون الرجوع إلى الجهة التي شرّعت فرضها، متجاهلاً أن الضريبة تختلف في جوهرها عن الريع. فالريع مورد من الطبيعة، بينما الضريبة جهد يشارك فيه المواطن من ماله وعرقه.

ويبدو أن رئيس الحكومة الليبية، الدكتور أسامة حماد، أدرك خطورة هذا التجاوز فسعى إلى توثيقه قضائياً عبر أمر ولائي من المحكمة يمنع التصرف بهذه الأموال. لم يكن الأمر مجرد إجراء إداري، بل محاولة لحماية مبدأ العدالة المالية وللتأكيد على أن المال العام لا يدار بالهوى، بل بالقانون.

في خضم هذا السجال، يقف مصرف ليبيا المركزي عند مفترق طرق. فالصغير يطالبه بموقف واضح لا لبس فيه، لأن المصرف هو الحارس الأخير للمال العام، وهو من يجب أن يضمن أن أموال المواطنين لا تُستنزف في صراعات النفوذ ولا تُنفق في غير ما فُرضت لأجله.

وتتجلى المعضلة الأخلاقية والاقتصادية في تساؤل بسيط لكنه عميق: كيف تفرض الحكومة ضرائب على مواطن في القرضة أو الشاطئ أو سرت أو سبها أو الكفرة أو بنغازي، ثم لا يرى في منطقته مشروعاً واحداً يحمل بصمة تلك الضرائب؟ كيف يُجبى المال من كل الليبيين ويُصرف في جزء منهم دون الآخر؟

هنا يكمن جوهر المشكلة، فالدولة التي لا توزع أعباءها ومنافعها بعدالة تفقد توازنها، وتتحول الضرائب من رمز للمواطنة إلى عبء يزرع الانقسام.

إن الضريبة ليست غاية في ذاتها، بل وسيلة لتكريس العدالة والتكافؤ بين الناس. لذلك، فإن ما يطالب به حسن الصغير ليس سوى عودة الأمور إلى نصابها: أن تُدار أموال الضرائب بشفافية، وأن يُساءل من يتصرف بها، وأن يُعاد الاعتبار لدافع الضريبة الذي لم يعد يطلب سوى أن تُصرف أمواله في مواضعها.

ختاماً، تبدو قضية الضريبة على النقد الأجنبي أكثر من مجرد نزاع مالي بين حكومتين؛ إنها اختبار لمفهوم الدولة في ليبيا، ولمدى احترامها لعلاقة الثقة التي يفترض أن تجمع بين الحاكم والمواطن. فحين تُستباح أموال دافعي الضرائب، يُستباح معها أحد أهم أركان السيادة: احترام المال العام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى