غيث يحذر: رفع تجميد الأصول حالياً يهدد بضياع الثروة الوطنية
عضو سابق في المصرف المركزي الليبي يطالب بتشديد الرقابة على الأموال المجمدة
ليبيا 24
ليبيا على مفترق طرق: معركة الحفاظ على الثروة الوطنية المجمدة في مهب العاصفة السياسية
في وقت تشهد فيه ليبيا انقساماً سياسياً ومؤسسياً حاداً، تبرز قضية الأموال المجمدة دولياً كواحدة من أهم الملفات الاقتصادية التي ستحدد مستقبل البلاد.
وتقدر هذه الأصول بمليارات الدولارات، مما يجعلها محط أنظار العديد من الأطراف المحلية والدولية.
تحذيرات من استنزاف الثروة الوطنية
حذر الخبير المصرفي وعضو المصرف المركزي السابق، أمراجع غيث، في تحليل مطول نشر على صفحته الشخصية بموقع فيسبوك، من أن المطالبة برفع تجميد الأموال الليبية المجمدة دولياً في الوقت الراهن تشكل “دعوة مفتوحة للتلاعب بهذه الأموال وضياعها” في ظل الفوضى المؤسسية التي تعيشها البلاد.
وأكد غيث أن “الظروف الحالية غير مناسبة تماماً لرفع التجميد عن الأصول الليبية، خاصة مع وجود حكومتين تتنازعان الاختصاصات وغياب السلطة الواحدة التي يمكنها ضمان حماية هذه الأموال”.
الإطار القانوني الدولي: من القرار 1970 إلى 2769
تعود جذور تجميد الأموال الليبية إلى عام 2011 عندما أصدر مجلس الأمن القرارين 1970 و1973 تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وقد نص هذان القراران على تجميد جميع الأصول الليبية في الخارج التي تعود للمؤسسات الليبية أو لشخصيات من النظام السابق.
وفي تطور لاحق، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 2769 لعام 2025، الذي شدد على ضرورة قيام الدول التي لديها أفراد وكيانات مدرجة في القائمة السوداء بتجميد أصولهم وإبلاغ لجنة العقوبات بالإجراءات المتخذة.
كما سمح هذا القرار باستثمار الأصول النقدية المجمدة بشروط صارمة، منها استثمارها في ودائع لأجل منخفضة المخاطر أو في أدوات الإيرادات الثابتة، وأن يظل رأس الموال والأرباح خاضعاً للتجميد.
ثغرات في نظام التجميد واستنزاف للأموال
كشف تقرير فريق الخبراء الدولي رقم 914/2024 عن ثغرات خطيرة في نظام التجميد الحالي، حيث أشار إلى عدم امتثال بعض الدول لإجراءات التجميد بشكل كامل، كما سجل حالات لم يتم فيها تحويل الفوائد إلى الحسابات المجمدة.
ووفقاً للتقرير، فإن بعض الحافظ الاستثمارية التي تديرها المؤسسة الليبية للاستثمار شهدت استنزافاً كبيراً، حيث انخفضت إحدى الحافظ من 3.180 مليار دولار إلى 1.747 مليار دولار، بنسبة انخفاض بلغت 45%. كما كشف التقرير أن مصاريف إدارة بعض الحافظ كانت أكبر بكثير من العوائد المتحصل عليها.
إشكاليات الحوكمة والشفافية
أبرز تقرير الخبراء مجموعة من الإشكاليات المتعلقة بحوكمة المؤسسة الليبية للاستثمار، منها عدم القدرة على تقديم بيانات مالية موحدة وفق المعايير الدولية، ووجود تناقضات في الإجراءات المتفق عليها، وتضارب المصالح حيث لم تمتثل المؤسسة لمبدأ سانتياغو رقم 13 الذي يحظر على رئيس مجلس الإدارة وأعضاء المجلس العمل كأعضاء في مجالس إدارة الشركات الفرعية التابعة للمؤسسة.
كما أشار التقرير إلى وجود “رؤية محدودة” للمؤسسة ورقابة محدودة على أصولها المجمدة، حيث لم تقدم بعض المصارف تقارير للمؤسسة عن الأموال المجمدة لديها.
رؤية مستقبلية للحفاظ على الثروة الوطنية
قدم غيث رؤية متكاملة للحفاظ على الأموال المجمدة وتنميتها، تضمنت سبع نقاط رئيسية:
1. الإبقاء على الأصول المجمدة تحت التجميد إلى حين قيام سلطة واحدة في ليبيا
2. التشديد على الدول من خلال مجلس الأمن وحثها باستمرار على الالتزام بمسؤولياتها
3. مطالبة مجلس الأمن بالتنبيه على الدول بالإفصاح عن الأصول الليبية المجمدة لديها دورياً
4. قيام الحكومات الليبية بالبحث عن الأصول المملوكة للمؤسسات الليبية والتي لم يتم الإفصاح عنها
5. تكوين لجنة فنية من خبراء ليبيين في مجال الاستثمار والأسواق الدولية
6. إعادة تشكيل مجلس أمناء المؤسسة الليبية للاستثمار مع الأغلبية للخبراء المستقلين
7. مطالبة مؤسسات الطاقة والاتصالات بالإفصاح عن أنشطتها المالية
الشفافية المالية: مطلب أساسي للنهوض
أكد غيث على أهمية الشفافية المالية، مشيراً إلى أن “أهم مؤسسة يجب أن تصدر بيانات عن نشاطها هي المؤسسة الوطنية للنفط والشركة العامة للكهرباء، باعتبارهما من أهم الجهات التي تخصص لها أموال وليس من حقنا أن نعرف أين صرفت هذه الأموال؟”
كما تطرق إلى شركات الاتصالات التي “لا يعرف إذا كانت قطاع خاص أو قطاع عام أو مختلط أو لا علاقة للدولة الليبية بها”، معتبراً أن الشفافية في هذه القطاعات الحيوية تمثل مدخلاً أساسياً للإصلاح.
استثمار الأموال المجمدة: بين المخاطر والفرص
يسمح القرار الدولي رقم 2769 باستثمار الأموال المجمدة في استثمارات منخفضة المخاطر، مما يمثل فرصة للحفاظ على قيمة هذه الأصول بل وزيادتها.
لكن الخبير يحذر من أن هذا الاستثمار يجب أن يتم تحت رقابة صارمة وشفافية كاملة لتجنب استنزاف هذه الأموال.
وقد أشار تقرير الخبراء إلى أن بعض الحافظ الاستثمارية تحقق إيرادات أقل من مصاريف إدارتها، كما في حالة الحافظة التي تديرها شركة “إف إم كابيتال” التي حققت إيرادات بلغت 3.180 مليون دولار بينما بلغت رسوم إدارتها 178.884 مليون دولار خلال الفترة من 2011 إلى 2023.
الطريق إلى الأمام
تبقى قضية الأموال المجمدة واحدة من أهم الملفات التي ستحدد مستقبل ليبيا الاقتصادي والخلاصة التي يقدمها الخبراء تؤكد أن الحل الأمثل يكمن في التوازن بين الحفاظ على هذه الأموال من الضياع والاستنزاف، والعمل على تنميتها عبر آليات استثمارية آمنة، مع ضمان عودتها للشعب الليبي عندما تستقر الأوضاع السياسية وتتوحد المؤسسات.
ويبقى السؤال الأهم: هل ستستطيع الأطراف الليبية المختلفة تجاوز خلافاتها والاتفاق على آلية موحدة لحماية هذه الثروة الوطنية التي تمثل حقاً للأجيال القادمة؟



