تفاقم الإفلات من العقاب في طرابلس… العدالة معلّقة والشارع يغلي غضبًا
القانون موجود لكن آليات التنفيذ عاجزة أمام الواقع الأمني والسياسي المعقد

تتعمّق الأزمة في منظومة العدالة بالغرب الليبي، حيث يتحوّل تنفيذ الأحكام القضائية ضد مسؤولين ووزراء حكومة الدبيبة إلى مسألة شائكة تعكس اختلال موازين القوة وسيطرة السلاح على الدولة.
المواطن الليبي لم يعد يثق بالقضاء، ويصفه اليوم بـ«المنظومة المكبّلة»، بينما يشير خبراء القانون إلى أن جهات الدولة الفاعلة فقدت قدرتها على محاسبة أصحاب المناصب العليا ومن يوالونهم من الاقارب والانساب.
وزراء بحكومة الدبيبة يعودون إلى مكاتبهم رغم وجود قضايا فساد بحقهم
في السنوات الأخيرة، برزت وقائع أثارت استياءً واسعًا، منها عدم تنفيذ أحكام الحبس الصادرة بحق مسؤولين مثل وزير التعليم المكلف علي العابد، المتورط بأزمة طباعة الكتاب المدرسي، ورغم صدور الحكم .. وشوهد العابد يتحرك بحرية، حتى في مناطق سياحية، فيما ظل القرار معلّقًا في إدارات حكومة الدبيبة…
نفس الصورة تكررت مع وزراء آخرين مثل خليفة عبد الصادق (النفط)، رمضان أبو جناح (الصحة)، ومبروكة توغي (الثقافة)، حيث عاد بعضهم إلى مكاتبهم خلال أيام، فيما ظل المواطنون يطرحون السؤال: من يملك سلطة تطبيق القانون في ليبيا؟
جزء من المشكلة يعود إلى ثلاثة عوامل رئيسية: نفوذ الميليشيات في المؤسسات، ضعف استقلال أجهزة إنفاذ القانون تحت ضغوط سياسية، والانقسام السياسي الذي يخلق تضاربًا في الشرعيات التنفيذية.
وتكشف هذه المعادلة عن إفلات من العقاب لا يطال الوزراء فقط، بل يشمل أيضًا شخصيات نافذة من خارج الحكومة، أبرزها قادة مجموعات مسلحة مثل محمد بحرون المعروف بـ«الفار»، ومسؤولون سابقون تمكنوا من مغادرة البلاد رغم وجود قضايا بحقهم.
الشارع الليبي يصف القضاء بـ”المنظومة المكبلة” ويفقد الثقة بالعدالة
الشارع الليبي يعكس الغضب المكتوم من هذا الواقع.. مدرسون وموظفون ومواطنون يرددون شعورهم بالإحباط من فقدان الدولة هيبتها، حيث القوة والسلاح أصبحا أهم من القانون… أما البعد القانوني، فيشير إليه خبراء القضاء بأنه مرتبط بـ«آليات التنفيذ» لا النصوص التشريعية، فالقوانين موجودة، لكن الجهات المكلفة بالتطبيق عاجزة أو مترددة أمام واقع أمني معقد، وتسييس القرارات القضائية يزيد الطين بلة.
استمرار الإفلات من العقاب يهدد النسيج الاجتماعي ويعزز الانقسامات بين الشباب.
تداعيات هذه الأزمة تتعدى الغضب الشعبي، فهي تهدد النسيج الاجتماعي، خاصة بين الشباب الذين فقدوا الثقة في الدولة، وقد يدفعهم ذلك للبحث عن حلول فردية أو قبلية، بما يعمّق الانقسامات ويضعف سيادة القانون.
يرى محللون أن الحلول ممكنة، لكنها مشروطة بإرادة سياسية وإصلاحات جذرية تشمل توحيد الأجهزة الشرطية بعيدًا عن نفوذ الميليشيات، وتعزيز استقلال النيابة العامة وحماية القضاة، وتفعيل التعاون الدولي لملاحقة الفارين من العدالة، وإطلاق مسار إصلاحي للقطاع الأمني. إلا أن كل هذه الإجراءات تبقى نظرية ما لم تُنفذ الأحكام القائمة على الأرض.
في نهاية المطاف، تبدو العدالة الليبية حاضرة في النصوص وغائبة في الواقع. إصدار الأحكام لا يكفي إذا لم تتوافر القوة لتنفيذها، ويظل المواطن الليبي ضحية أولى وآخيرة لغياب المساءلة، فيما تظل موازين القوة والشخصيات النافذة تتقدم على سيادة القانون.



