إدريس احميد يكتب: ليبيا تُخبط الأمم المتحدة وتُكشَف التدخلات الإقليمية- التدخل القطري نموذجا
إدريس احميد: هل ليبيا عاجزة عن توفير الدعم المالي للحوار الوطني والسياسي؟
ليبيا 24
لم يعد خافيًا على أحد وضوح التدخل الخارجي في الشأن الليبي، بعد إعلان البعثة الأممية توقيع اتفاقية تمويل مع حكومة قطر لدعم الحوار السياسي وتعزيز المشاركة المدنية.
الاتفاقية التي وقعها عن الجانب القطري السفير خالد الدوسري وعن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الممثلة المقيمة صوفي كيمخدره، جاءت تحت شعار “دعم عملية سياسية ليبية القيادة والملكية”، لكن ما بين السطور يكشف مسارًا مختلفًا تمامًا.
وفق البعثة يهدف التمويل القطري إلى دعم تنفيذ خارطة الطريق الأممية التي عرضتها الممثلة الخاصة للأمين العام هانا تيتيه أمام مجلس الأمن في 21 أغسطس الماضي، والتي تقوم على ثلاث ركائز رئيسية:
1. إعداد إطار انتخابي متماسك فنيًا.
2. توحيد المؤسسات عبر تشكيل حكومة موحدة.
3. إطلاق حوار وطني منظم يشمل السياسيين ومنظمات المجتمع المدني والشباب والنساء والقادة المحليين.
كما تتضمن الاتفاقية دعمًا مباشرًا للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، عبر تعزيز قدراتها الفنية وإعادة تشكيل مجلس إدارتها، باعتبار إصلاح المنظومة الانتخابية شرطًا أساسيًا لاستحقاقات مستقبلية بعد فشل انتخابات 2021.
هنا يبرز تساؤل مهم: هل ليبيا عاجزة عن توفير الدعم المالي للحوار الوطني والسياسي، لدرجة البحث عن دعم خارجي؟ أو بعبارة أوضح: هل من المنطقي أن دولة شاركت في تعقيد المشهد الليبي تُعهد إليها اليوم المشاركة في خلق الحل؟
لقد فهم العالم تدخل القوى الكبرى في ليبيا عام 2011، وفهم دوافعها ومصالحها، لكن ما يصعب قبوله استمرار تدخل دويلة صغيرة مثل قطر عبر مسارات متعددة، بدءًا من دعم جماعات داخلية تحت لافتة “دعم الثورة”، وصولًا إلى اليوم عبر اتفاقيات تمويل مشبوهة، تظهر كلما بدت بوادر انفراج أو تقارب ليبي–ليبي.
أما الأمم المتحدة، فقد باتت بعثتها في ليبيا – بكل وضوح – فاقدة للحياد، بعد سنوات طويلة من العبث السياسي. لم تعد البعثة طرفًا مساعدًا، بل أصبحت، بوعي أو بدون وعي، جزءًا من عملية إعادة إنتاج الأزمة، عبر مسارات انتقالية لا تولد إلا الفراغ.
ومن حق الليبيين أن يتساءلوا: هل يحق لبعثة مُوكَل إليها إيجاد حل للأزمة أن تستعين بدولة أثبتت التجربة أنها من أبرز المعرقلين للمشهد الليبي؟ وما الهدف من إدخال قطر في هذا التوقيت، إلا محاولة لخلط الأوراق وتشويش الرأي العام وإرباك أي مسار وطني مستقل؟
الأمر الأوضح أن هذه الخطوة تأتي بعد إعلان المشير خليفة حفتر مبادرته للحل الليبي–الليبي، بعد فشل كل المشاريع السابقة، وبعد أن باتت الحاجة ماسة لوضع البلاد على طريق استقرار واحد. هنا تحديدًا بدأت محاولات التشويش على المبادرة.
إننا نرحب بموقف الحكومة الليبية الرافض للاتفاقية، وببيانها الذي دعا إلى وقف التعامل مع البعثة الأممية، بل وإمكانية إنهاء عملها في حال استمرارها في هذا المسار.
لقد حان الوقت لتسمية الأمور بأسمائها: ليبيا لا تحتاج إلى وصاية جديدة، ولا إلى أموال مسمومة، ولا إلى مبادرات مستوردة تُكتب في الدوحة وتُسوَّق في طرابلس. الحل لن يكون إلا ليبيًا، على أرض ليبية، وبإرادة ليبية خالصة.



