معاناة مرضى ضمور العضلات بين الإهمال وانتظار الحلول

وقفات متكررة نفذها مرضى ضمور العضلات أمام قصور الضيافة في طرابلس… أجسادٌ أنهكها الداء، وأرواحٌ لم تفقد إصرارها رغم كل شيء… يقفون هناك بصمتٍ أثقل من الصراخ، ينتظرون أن يُفتح لهم باب، أن يخرج إليهم مسؤول، أن يسمع أحدٌ أنينهم المخبّأ تحت أنفاس متقطعة وجراحٍ لا تُرى بالعين.
وجوههم تشبه طرقاتٍ طويلة مهجورة، تعب فيها الخطى قبل أن تبدأ.. بعضهم جاء على كراسٍ متحركة لا تقوى على حمل أحلام أصحابها، وبعضهم يتكئ على أحد أقربائه كأنما يتكئ على ما تبقى من الحياة.. الا ان جميعهم جاءوا لأن المرض لم يترك لهم خيارًا، ولأن تجاهلهم صار وجعًا مضاعفًا يفوق المرض ذاته.
يرفعون لافتاتهم كأنها رسائل نجاة، لا يطالبون بترف، ولا بامتيازات، فقط بحق بسيط” أن يعيشوا دون أن يخنقهم الألم، أن يحصلوا على علاج يحفظ ما تبقى من أجسادهم، أن يشعروا بأن الدولة تراهم ولا تمر بجانبهم كأنهم ظلّ”
في كل عين منهم حكاية طفلٌ صغير يود لو يركض مع أقرانه، لكن قدميه خانتاه قبل أن يعرف معنى اللعب .. شاب كان يحلم بمستقبلٍ واسع، ثم ضاق عليه المرض حتى صار العالم غرفة صغيرة وجهاز تنفس.. أمٌّ تخفي دمعتها كي لا تضعف أمام ابنها، رغم أنها تشعر كل يوم بأنها تخوض حربًا خاسرة.
إيمان بأن صوت الإنسان مهما كان ضعيفًا لا بد أن يصل يومًا
ورغم كل هذا، يأتون كل صباح، يقفون في البرد، في الشمس، في الانتظار الطويل الذي لا يعرفون نهايته، يأتون لأنهم ما زالوا يؤمنون بأن صوت الإنسان، مهما كان ضعيفًا، لا بد أن يصل يومًا ولأن تجاهلهم لأربعة أيام متتالية لا يعني أنهم سيعودون إلى بيوتهم صامتين.
فالمعاناة حين تُحاصر الجسد، لا تتوقف النفس عن التمسك بما تبقى.. وهؤلاء المرضى، رغم هشاشتهم، أقوى من كثيرين فهم يقاتلون بقلوبهم، بدموعهم، بثباتهم، وبإصرارهم على الحياة التي لم تعد تمنحهم سوى الحد الأدنى.
وما بين انتظار اللقاء الذي لم يحدث، وتكرار الوعود التي لم تُنفذ، يبقى مرضى ضمور العضلات واقفين هناك… بصمتٍ يمشي على أقدام لا تقوى، وصبرٍ أثقل من المرض ذاته، وأملٍ ما زال يؤمن بأن أحدًا، في لحظة ما، سيستمع أخيرًا لنداءاتهم.



