ليبيا

أزمة المياه في ليبيا بين التحديات والحلول الاستراتيجية

المياه.. تحد وجودي تواجهه ليبيا في ظل التغير المناخي

في ظل تصاعد آثار التغير المناخي وتزايد موجات الجفاف في شمال إفريقيا، يواجه ليبيا تحديًا وجوديًا يهدد حاضرها التنموي ومستقبل أجيالها، إذ حذّر المجلس الوطني للتطوير الاقتصادي والاجتماعي من تفاقم أزمة المياه في البلاد.

وأشار الدكتور بشير أحمد نوير، رئيس فريق الاستراتيجية الوطنية للأمن المائي، في تصريح رصده ليبيا24 ، إلى أن ليبيا تعاني شحًا مائيًا يصنف ضمن الأسوأ عالميًا، حيث لا تتلقى نحو 90% من مساحتها أكثر من 100 ملم من الأمطار سنويًا، فيما لا تتجاوز حصة الفرد من المياه المتجددة 120 مترًا مكعبًا، أي أقل بثمانية أضعاف من خط الفقر المائي الدولي.

ويضيف نوير أن الاعتماد شبه الكامل على المياه الجوفية غير المتجددة بنسبة 97%، إلى جانب النمو السكاني المتسارع والتوسع العمراني، يزيد من الضغوط على الموارد المتاحة، خصوصًا في ظل شبكات الإمداد المتهالكة التي تفقد نحو 30% من المياه قبل وصولها إلى المستهلكين. كما أن أنظمة الري التقليدية، التي تمتص 85% من المياه المخصصة للقطاع الزراعي، تفقد أكثر من نصف الكميات قبل وصولها إلى جذور النباتات.

وتتفاقم الأزمة بفعل تداعيات التغير المناخي، إذ تشهد البلاد انخفاضًا متواصلًا في معدلات الأمطار وارتفاعًا في معدلات التبخر، مع تكرار الظواهر المناخية الحادة مثل فيضانات درنة وموجات الجفاف في فزان.

الاستراتيجية الوطنية للأمن المائي 2050

وضع الفريق الوطني استراتيجيته على أربع دعامات رئيسية، تبدأ بإعادة هيكلة مصادر المياه عبر رفع مساهمة التحلية إلى 30% وتعزيز إعادة استخدام المياه المعالجة، مرورًا بإصلاح التشوه المالي من خلال مراجعة تعريفة المياه وجذب استثمارات القطاع الخاص، وتعزيز الإطار المؤسسي بإصدار قانون يجرّم حفر الآبار العشوائية وإنشاء هيئة تنظيمية مستقلة، وصولًا إلى التحول التكنولوجي بتبني الزراعة الذكية وإنشاء مركز وطني لبحوث المياه.

وفي جانب الطاقة، أوضح نوير أن محطات التحلية تستهلك نحو 40% من الطاقة المستخدمة في قطاع المياه، معتبرًا أن الاعتماد على الطاقة الشمسية يشكل خيارًا استراتيجيًا لخفض التكاليف، مؤكدًا أن تغطية 0.1% فقط من الصحراء الليبية بألواح شمسية كفيلة بإنتاج طاقة كافية لتحلية مياه البحر لجميع سكان البلاد.

كما شدد على أن تطبيق نظم الري بالتنقيط على 20% من الأراضي الزراعية قد يوفر احتياجات مليوني نسمة من المياه سنويًا، إلى جانب إمكان رفع المخزون المائي عبر إعادة تأهيل السدود مثل سد وادي كعام.

وأشار نوير إلى أن الاستراتيجية الوطنية للأمن المائي ليست مجرد وثيقة فنية، بل تمثل “عقدًا بين الأجيال”، مؤكدًا أن معركة الأمن المائي في ليبيا اختبار لإرادة الدولة وقدرتها على حماية مواردها الطبيعية وصناعة مستقبل آمن ومستدام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى