ليبيا

دراسة أميركية تكشف انتهاكات مروعة تطال أطفال الهجرة عبر ليبيا

أطفال مهاجرون يواجهون عنفًا واستغلالًا ممنهجًا خلال عبورهم ليبيا

ليبيا 24:

انتهاكات صامتة على طرق الهجرة: أطفال يواجهون أقسى أشكال العنف عبر ليبيا في رحلة البحث عن الأمان

في واحدة من أكثر الظواهر الإنسانية إيلامًا في العصر الحديث، تتواصل معاناة آلاف الأطفال الذين يجدون أنفسهم مضطرين لعبور طرق الهجرة غير النظامية الممتدة من السودان ومصر مرورًا بليبيا وصولًا إلى أوروبا.

دراسة أميركية حديثة، اعتمدت على مقابلات ميدانية واسعة، تكشف عن درجات غير مسبوقة من العنف والاستغلال يتعرض لها هؤلاء الأطفال خلال رحلة محفوفة بالأخطار، يتداخل فيها غياب الحماية القانونية مع سيطرة المهربين والجماعات المسلحة على أجزاء واسعة من مسارات العبور.

الدراسة التي غطّت الفترة ما بين فبراير وأكتوبر من العام الماضي، سلطت الضوء على أحداث وشهادات تقشعر لها الأبدان، توضح حجم المأساة التي يواجهها الأطفال — خصوصًا غير المصحوبين بذويهم — أثناء محاولة الهروب من العنف أو الفقر أو الاضطهاد في بلدانهم الأصلية وفي ظل انعدام المسارات الآمنة للوصول إلى أوروبا، يجد هؤلاء أنفسهم بين أيدي مجموعات لا ترى فيهم سوى مصدر للمال.

تصاعد خطير بعد إغلاق الحدود بين مصر والسودان

طرق جديدة أكثر خطرًا… وأطفال في مرمى الاستغلال

أشار التقرير إلى أن نقطة التحول الكبرى كانت في مايو 2024، عندما أُغلقت الحدود بين مصر والسودان، وهو ما أدى إلى تغيير جذري في طرق الهجرة.

 ومع اختفاء المسار التقليدي، تزايد اعتماد الأطفال على طريق آخر أشد خطورة، يبدأ من السودان أو مصر ويمر عبر عمق ليبيا باتجاه السواحل الشمالية ثم إلى اليونان أو غرب البلقان.

هذا التحول فتح شهية شبكات التهريب التي استغلت حاجة الأطفال وقلة خياراتهم، لتفرض عليهم أثمانًا باهظة لقاء نقلهم، أو بالأحرى استغلالهم.

تقول الدراسة إن الأطفال لا يجدون أمامهم بديلًا عن الاعتماد على هذه الشبكات، مما يجعلهم أكثر عرضة للعنف والممارسات اللاإنسانية.

ليبيا: نقطة الرعب الأكبر في رحلة الهروب

مستودعات وحاويات تتحول إلى مراكز احتجاز قسري

تشير البيانات الواردة في الدراسة إلى أن ليبيا تمثل الحلقة الأكثر قسوة في مسارات الهجرة، إذ أجمع جميع الأطفال الذين تمت مقابلتهم على أنهم تعرضوا للعنف الشديد داخل الأراضي الليبية.

تلك الشهادات تتضمن وصفًا مرعبًا لمراكز احتجاز غير رسمية، عبارة عن مستودعات أو حاويات معدنية يقبع فيها الأطفال لشهور، غالبًا تحت سلطة مهربين أو جماعات مسلحة.

في تلك الأماكن، يتعرض الأطفال لممارسات تتراوح بين الضرب والتجويع والإهانة والعزل، وأحيانًا الاعتداء الجنسي. وتوضح الدراسة أن هؤلاء الأطفال يصبحون أسرى بالكامل، لا يمكنهم التحرك أو التواصل أو حتى الاعتراض، إذ يتم استخدام القوة المفرطة ضد أي محاولة للهرب.

الابتزاز… وديون تتزايد مع كل خطوة

وفقًا للتقرير، يعتمد المهربون على أسلوب “الديون التراكمية”، حيث يجبر الأطفال على العمل تحت الإكراه لسداد مبالغ إضافية غير متفق عليها مسبقًا. وتصل هذه الديون إلى مستويات يستحيل سدادها، مما يضع الأطفال في فخ طويل من الاستعباد والاستغلال.

بعض الأطفال تحدثوا عن إجبارهم على العمل بالسخرة في مواقع بناء أو مخازن أو مزارع، تحت تهديد التعذيب أو الترحيل أو الاحتجاز.

وتوضح الدراسة أن هذه الأنماط من الانتهاكات باتت ممنهجة، وتستغل هشاشة وضع الأطفال وانعدام أي حماية قانونية لهم داخل ليبيا.

شهادات تقشعر لها الأبدان: قصص من قلب الجحيم

ضرب وحرمان وتجويع… وأجساد صغيرة تتحمل فوق طاقتها

تضم الدراسة شهادات صادمة لأطفال تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عامًا، تحدثوا فيها عن تفاصيل الحياة داخل مراكز الاحتجاز. أحدهم وصف كيف تم منعه من الطعام ليومين متتاليين، وآخر قال إنه لم يُسمح له بالاستحمام طوال فترة احتجازه التي امتدت لأسابيع.

طفل آخر كشف أنه أُجبر على العمل في نقل بضائع تحت تهديد الترحيل إلى الصحراء، بينما قال آخر إنه عاش شهورًا دون طعام كافٍ أو مياه نظيفة، وأنه تعرض لنوبات إغماء متكررة بسبب الجفاف وسوء التغذية.

هذه الشهادات — التي جمعتها فرق بحثية متخصصة — تُظهر أن معاناة الأطفال لا تقتصر على العنف الجسدي فقط، بل تمتد لتشمل العنف النفسي والحرمان من أبسط مقومات الحياة.

التداعيات الصحية والنفسية عند الوصول إلى أوروبا

جروح لا تُرى… وصدمات تستمر لسنوات طويلة

الدراسة تكشف أن الأطفال الذين يصلون إلى اليونان أو غيرها من نقاط الدخول إلى أوروبا يصلون في حالة صحية متدهورة، إذ يعاني الكثير منهم من سوء تغذية، والتهابات جلدية، وأمراض ناتجة عن الاحتجاز في بيئات غير صالحة للعيش.

لكن الأخطر، وفق الخبراء، هو الأثر النفسي طويل الأمد؛ فالكثير من الأطفال يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة، ونوبات هلع مستمرة، واضطرابات نوم، وشعور دائم بالخوف، أربعة من الأطفال أفادوا بأنهم كانوا تحت سيطرة المهربين بشكل كامل، وأنهم لم يتمكنوا من اتخاذ أي قرار بأنفسهم طوال الرحلة.

وما إن يصلوا إلى أوروبا حتى يواجهوا تحديات جديدة، تتعلق بالإجراءات البيروقراطية، وصعوبة الاندماج، والحاجة إلى دعم نفسي متخصص قد يستغرق سنوات.

ثغرات خطيرة في سياسات الاتحاد الأوروبي للهجرة

غياب المسارات الآمنة… ونتائج كارثية على القاصرين

انتقدت الدراسة السياسات الحالية للاتحاد الأوروبي المتعلقة بإدارة الهجرة، مشيرة إلى أنها تفتقر إلى الآليات الكافية لحماية حقوق الأطفال. وأكد الخبراء أن احتجاز الأطفال يجب ألا يكون قاعدة متبعة، بل استثناءً نادرًا يُستخدم فقط في حالات الضرورة القصوى.

كما دعت إلى تعزيز قدرات أنظمة اللجوء والاستقبال في الدول الأوروبية، وضمان وجود معايير واضحة وملزمة لحماية حقوق الطفل في جميع الاتفاقيات المبرمة مع الدول خارج الاتحاد الأوروبي، خصوصًا تلك المتعلقة بالتعاون في ملف الهجرة.

ضرورة وضع معايير قابلة للقياس

تشدد الدراسة على أن أي اتفاقيات مستقبلية بين الاتحاد الأوروبي والدول الشريكة يجب أن تتضمن بنودًا واضحة لحماية الأطفال، مثل معايير الاستقبال، وضمان الرقابة، وتوفير آليات للبلاغات، وضمان عدم تعرض الأطفال للاحتجاز التعسفي.

أموال أوروبية تحت المجهر: الحاجة إلى رقابة أشد صرامة ومقترح بإنشاء لجنة إشراف مستقلة

أحد أهم توصيات الدراسة هو إنشاء لجنة إشراف مستقلة داخل “وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية” تكون مكلفة بمتابعة الامتثال لحقوق الطفل قبل صرف أي دعم مالي للدول الشريكة. هذا المقترح يأتي في ظل تقارير عديدة أشارت إلى استخدام أموال أوروبية في مرافق ترتكب فيها انتهاكات.

إعادة توجيه التمويل عند وقوع الانتهاكات

توصي الدراسة بأن يتم تحويل الدعم المالي بعيدًا عن الحكومات أو الجهات التي يثبت تورطها في انتهاكات بحق الأطفال، وتوجيهه بدلًا من ذلك إلى منظمات محايدة متخصصة في حماية الأطفال، وإلى فرق العمل الإنسانية التي تعمل ميدانيًا على تقديم الغذاء والرعاية والمأوى.

وتعتبر الدراسة أن هذه الخطوة قد تكون رادعًا فعالًا للحد من الانتهاكات وضمان محاسبة الجهات المتورطة.

خاتمة: أزمة إنسانية تتطلب تدخلًا عاجلًا

تكشف الدراسة الأميركية، بكل ما تحمله من شهادات وتفاصيل، عن واقع صادم يعيشه الأطفال المهاجرون خلال عبورهم ليبيا وبينما تستمر الصراعات الإقليمية والضغوط الاقتصادية في دفع المزيد من الأطفال نحو طرق الهجرة، فإن الوضع يتطلب استجابة دولية عاجلة، تُعيد حماية الطفل إلى صدارة أولويات سياسات الهجرة.

المأساة التي تتجدد كل يوم على طرق الصحراء والبحر ليست مجرد أرقام أو تقارير بحثية؛ إنها قصص حياة صغيرة، تبحث عن الأمان، وتواجه في طريقها سلسلة لا تنتهي من الانتهاكات والعنف والاستغلال وما لم تتخذ خطوات جادة لحماية هؤلاء الأطفال، فإن هذه الرحلات ستظل شاهدًا على فشل عالمي في حماية الأضعف بين البشر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى