دولىعربى

النزوح القسري في غزة.. معاناة مستمرة ومصير مجهول

  النزوح في غزة ليس مجرد انتقال... بل خنق للحياة

في كل مرة تُصدر فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي أوامر إخلاء جديدة لأحياء ومناطق في قطاع غزة، تبدأ معها فصول موجعة من المعاناة الإنسانية، تدفع آلاف المواطنين إلى مصير قاسٍ دون مأوى أو ضمانات للنجاة. ولا تقتصر المعاناة على القصف والدمار، بل تمتد إلى رحلة نزوح محفوفة بالمخاطر، يفتقر خلالها المواطنون إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة.

نزوح تحت القصف… وبدون مقومات

منذ بدء العدوان على قطاع غزة قبل أكثر من 700 يوم، باتت ظاهرة النزوح القسري سمة يومية في حياة السكان، حيث يواجه المواطنون أوامر الإخلاء دون وسيلة نقل، أو مأوى بديل، أو حتى خيمة تؤويهم. وتُقدَّر تكلفة النزوح من محافظة غزة إلى الجنوب بنحو 2000 دولار، تشمل أجرة النقل وخيمة ومرفقًا صحيًا بسيطًا، وهي تكلفة لا تقوى عليها الغالبية العظمى من العائلات التي تعاني من فقر مدقع ونقص حاد في الموارد.

أوامر إخلاء جديدة والمصير أكثر غموضًا

مؤخرًا، أصدرت قوات الاحتلال أوامر إخلاء جديدة للمواطنين في محافظتي غزة والشمال، مطالبةً إياهم بالتوجه نحو خان يونس والمنطقة الوسطى، رغم الاكتظاظ الشديد هناك بمئات الآلاف من النازحين. وتشير التقارير إلى أن هذه المناطق لم تعد قادرة على استيعاب المزيد، في ظل نقص حاد في الخيام والمرافق الصحية، وتهالك البنية التحتية نتيجة الحرب المتواصلة.

الجنوب… غير قادر على الاستيعاب

تعاني المناطق الجنوبية من القطاع، وتحديدًا خان يونس والوسطى، من عجز شبه كامل عن استقبال المزيد من النازحين، حيث لا توجد أراضٍ فارغة لإقامة مخيمات جديدة، كما أن البنية التحتية المتضررة تعجز عن توفير الحد الأدنى من الخدمات الأساسية كالمياه والصرف الصحي.

في ظل الواقع المأساوي جنوبًا، يُفضّل الكثير من الفلسطينيين البقاء في منازلهم رغم الخطر، على خوض رحلة نزوح لا تُفضي إلا إلى المعاناة. ويلجأ بعضهم للتنقل داخل مناطقهم نحو أماكن “يُعتقد” أنها أقل خطرًا، إلا أن القصف المتكرر طال حتى تلك المناطق، بما في ذلك المناطق المصنفة “إنسانية” من قبل الاحتلال.

المنظمات الدولية: النزوح في غزة جريمة حرب

نددت منظمات حقوقية دولية، أبرزها العفو الدولية ومحكمة العدل الدولية، بسياسات التهجير القسري الإسرائيلية، واعتبرتها خرقًا واضحًا للقانون الدولي الإنساني. كما أكدت أن استخدام الحصار والتجويع والإخلاء القسري أدوات لإخضاع السكان، يشكل جريمة تستوجب المحاسبة الدولية.

أما وكالة الأونروا، فقد حذرت من انهيار الخدمات الأساسية في الجنوب، مشيرة إلى أن الملاجئ مكتظة بشكل غير مسبوق، والمياه والصرف الصحي على وشك الانهيار، في حين تواجه وكالات الإغاثة صعوبات كبيرة في الوصول إلى المحتاجين بسبب الحصار المستمر وأوامر الإخلاء التعسفية.

“نكبة ثانية” تلوح في الأفق

في بيان حديث، دعت الأونروا إلى وقف فوري لإطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية آمنة لإدخال المساعدات، محذّرة من أن تكرار عمليات النزوح يهدد بتحوّل الكارثة إلى “نكبة ثانية”، مع استمرار تهجير الأجيال الفلسطينية دون قدرة على العودة أو الاستقرار.

وقالت الوكالة: “لقد آن الأوان لإرادة سياسية تنهي هذه الحرب التي لا تبقي ولا تذر. يعيش سكان غزة في دوامة من الخوف والنزوح والدمار منذ أكثر من 700 يوم، دون أن يجدوا مكانًا آمنًا يلجؤون إليه.”

الأطفال… ضحايا النزوح المتكرر

يُشكّل الأطفال الفئة الأضعف في هذه المأساة. فقد هُجّر عدد كبير منهم مرارًا وتكرارًا، ويُحاصرون الآن في مناطق تُصنّف كمناطق عسكرية إسرائيلية تغطي نحو 90% من القطاع، ما يضاعف من المخاطر على حياتهم ونموهم ومستقبلهم.

في ظل هذه الأوضاع، يواجه الفلسطينيون في غزة معادلة مستحيلة: البقاء تحت القصف أو النزوح نحو المجهول. أما الاحتلال، فيواصل سياساته الرامية لاجتثاث السكان من أرضهم، مستخدمًا كل أدوات الحرب والتجويع والتهجير في محاولة لفرض واقع جديد بالقوة.

إن ما يحدث في غزة يتجاوز مجرد أزمة إنسانية مؤقتة، بل يشكّل كارثة وجودية تستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا لإنهاء العدوان، ووقف التهجير القسري، وفتح ممرات إنسانية، وضمان حق المدنيين بالحياة والكرامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى