
وسط أزمة سياسية مزمنة وصراع مسلح مستمر في طرابلس، أطلقت المبعوثة الأممية إلى ليبيا، هنا تيتيه، خريطة طريق جديدة تهدف إلى إخراج ليبيا من مأزقها السياسي، معتمدة على ثلاث ركائز أساسية هي: إطار قانوني سليم، حكومة موحدة، وحوار شامل.
ورغم مرور قرابة شهر على الإعلان الرسمي لهذه الخطة أمام مجلس الأمن الدولي في أغسطس 2025، لا تزال الخطوات العملية لتنفيذها غير واضحة، ما يثير مخاوف من عرقلتها أو فشلها في ظل التحديات الداخلية والتجاذبات الإقليمية والدولية.
بدأت تيتيه جولة دبلوماسية لحشد الدعم الدولي، شملت روسيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد وصفت البعثة الأممية اللقاءات التي عقدتها المبعوثة مع مسؤولين في البلدين بأنها “بناءة”، خصوصًا اللقاء مع نائب وزير الخارجية الروسي فيرشينين فاسيليفيتش، الذي ناقش تفاصيل خريطة الطريق الأممية.
لكن، رغم هذه التحركات، لا تزال الخطوات العملية غائبة، ما يعكس حالة من الجمود السياسي ويطرح تساؤلات عن مدى جدية الأطراف الدولية والمحلية في دعم مسار سياسي مستدام.
أهداف الجولة الدولية: دعم سياسي وفني وضغط على الداخل
يرى المحلل السياسي إلياس الباروني أن تيتيه تسعى، من خلال هذه الجولة، إلى كسب مواقف دولية داعمة للخطة الأممية، وهو ما يشمل الحصول على دعم سياسي علني و التنسيق الدبلوماسي لتقليل فرص عرقلة أي اتفاق مستقبلي وطلب الدعم الفني لتسهيل آليات التنفيذ والضغط على الأطراف المحلية.
وقد اختارت تيتيه روسيا نظرًا لنفوذها السياسي والعسكري ودورها الحاسم كعضو دائم في مجلس الأمن، مما يجعل موقفها محورياً في أي عملية سلام. أما الكونغو، فتمثل بوابة نحو الدعم الإقليمي الأفريقي، حيث سعت المبعوثة لكسب شرعية من الاتحاد الأفريقي عبر لقاء رئيس الكونغو في برازافيل.
دور أفريقي باهت.. محاولة لإعادة التوازن
يرى الباروني في تصريحات رصدها ليبيــا 24 أن تيتيه تحاول إعادة إحياء الدور الأفريقي في الأزمة الليبية، والذي تراجع لصالح تدخلات أوروبية وأمريكية. زيارة برازافيل تهدف لإشراك الاتحاد الأفريقي بشكل أكبر، في خطوة قد تُعيد التوازن في التعاطي مع الملف الليبي، وتقلل من تأثير القوى الأجنبية على الحل السياسي.
الوضع الميداني: اشتباكات تهدد بعودة العنف
في موازاة الحراك الدبلوماسي، تعيش ليبيا على وقع تصعيد أمني خطير، خاصة في غرب البلاد. فقد اندلعت اشتباكات مسلحة بين الميليشيات كان اخرها في منطقة جنزور ما يهدد بانهيار اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في أكتوبر 2020.
هذا التدهور الميداني يُظهر هشاشة الوضع الأمني، ويؤكد ضرورة الإسراع في تنفيذ خريطة الطريق قبل أن تنزلق طرابلس مجددًا إلى أتون الحرب .
خريطة الطريق الأممية لا تزال في مرحلة التسويق السياسي والدبلوماسي، دون بوادر واضحة على انطلاق تنفيذها فغياب الدعم المحلي الحقيقي، خصوصًا من الأطراف المسلحة والسياسية المتنفذة، يبقى التحدي الأكبر.
ويبقى نجاح الخطة الأممية مرهون بـضغط دولي من الأطراف المؤثرة وتوفير ضمانات أمنية وسياسية للأطراف الليبية وإشراك أوسع للمجتمع المدني الليبي في الحوار الوطني على ان تعمل الأمم المتحدة على تسريع التحركات العملية لتجنب إفشال الخطة قبل ولادتها الفعلية.
وفي النهاية يبقى التأكيد على انه ما لم تتحول تحركات تيتيه من إطار “المباحثات البناءة” إلى إجراءات ملموسة، فإن خريطة الطريق قد تواجه المصير ذاته لمبادرات سابقة لم تخرج من قاعات الاجتماعات.