ليبيا

حكومة الدبيبة تتهاوى أمام العاصفة القضائية وسط غضب شعبي متصاعد

النيابة العامة تقود حملة ضد الفساد بحبس وزير تعليم الدبيبة

النيابة العامة تفتح ملف الفساد في التعليم وتحبس وزيراً بحكومة الدبيبة

قرارات بالحبس في قضية الكتاب المدرسي تكشف عمق الفوضى الإدارية والمالية وتعيد الجدل حول شرعية حكومة الوحدة الوطنية

طرابلس – ليبيا 24
في تطور جديد يضيف حلقة أخرى إلى سلسلة ملفات الفساد التي تطارد الحكومة منتهية الولاية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، أمرت النيابة العامة الليبية بحبس وزير التربية والتعليم المكلف، علي العابد، ومدير عام مركز المناهج التعليمية والبحوث التربوية، على خلفية التحقيقات في قضية التعاقد على طباعة الكتاب المدرسي للعام الدراسي 2025 / 2026.
التحقيق الذي أجراه رئيس النيابة العامة كشف، بحسب مصادر قضائية مطلعة، عن أنماط إساءة جسيمة صاحبت الإجراءات الإدارية والمالية في العقود المبرمة، إلى جانب إهمال خطير ترتب عليه عدم إتاحة الكتاب المدرسي لما يزيد عن مليوني طالب ليبي في الوقت المحدد.

ملف يتجاوز حدود الفساد المالي

أوضحت مصادر قانونية أن التحقيقات لم تقتصر على الشبهات المالية فقط، بل امتدت لتشمل شبهات استغلال النفوذ والتقصير الإداري المتعمد، وهي تهم قد تُسقط حصانة أي مسؤول مهما علت درجته.
وأشارت المصادر إلى أن النيابة العامة قررت حبس الوزير ومدير المركز احتياطياً على ذمة التحقيق، بعد أن ثبت لها أن سلوكهما ألحق ضرراً بالمصلحة العامة، في وقتٍ يعاني فيه قطاع التعليم من أزمات بنيوية متراكمة.

حكومة برئيسها فقط

الخطوة القضائية التي وُصفت بأنها “جريئة ومفصلية”، فجّرت موجة من الجدل السياسي والاجتماعي حول واقع حكومة عبد الحميد الدبيبة، التي باتت – بحسب مراقبين – “تعمل برئيسها فقط”، بعد أن شغر عدد من الوزارات الأساسية بسبب الإقالات والتحقيقات والاعتقالات.
الصحفية والباحثة في شؤون الهجرة، د. ريم البركي، علّقت بلهجة حادة قائلة:

“ستستيقظ حكومة الدبيبة غداً بثلاث وزارات شاغرة، علاوة على كل الوزارات الشاغرة الأخرى. العابد كان وزير التربية والتعليم المكلف، ووزير العمل والتأهيل، ووزير الخدمة المدنية أيضاً. حكومة تعمل برئيس الوزراء فقط، ويعترف المجتمع الدولي بشرعيتها! مجتمع دولي لا يستحي!”

حكومة الدبيبة بين فقدان الشرعية ومراكمة الفضائح

تأتي هذه التطورات بينما تواجه حكومة الوحدة الوطنية انتقادات داخلية ودولية متصاعدة، تتعلق بملفات الفساد، والتجاوزات المالية، وتدهور الخدمات العامة، وتآكل الثقة الشعبية.
الكاتب والمحلل السياسي حسن الصغير، وكيل وزارة الخارجية الأسبق، علّق بتهكم قائلاً:

“حكومة الدبيبة تدخل فعلياً سجل غينيس للأرقام القياسية بأكثر وزراء دخلوا السجن في تهم تتعلق بالفساد، وهي لا تزال في السلطة. هل هناك من يملك المقدرة الفنية لمراسلة السجل لتوثيق هذا الإنجاز؟”

تصريح الصغير لاقى صدى واسعاً في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر كثيرون أن الحكومة تجاوزت الخطوط الحمراء في الفساد والإفلات من المساءلة.

شهادات مزورة ومناصب متراكمة

من جانبه، وصف المحلل السياسي محمد قشوط الوزير الموقوف علي العابد بأنه “رمز لحكومة التزوير”، مشيراً إلى أن العابد “زور شهادته العلمية”، مثل عدد من الوزراء الآخرين الذين “تسلقوا المناصب العليا دون مؤهلات حقيقية”.
وأضاف قشوط:

“الوزير الفاسد علي العابد، المزور لشهادته العلمية، كمثل باقي وزراء حكومة التزوير التي تسيطر عليها عائلة الدبيبة، يسجل اسمه مع باقي الوزراء ذوي السوابق بعد أن قررت النيابة العامة سجنه على خلفية تورطه في قضية الكتاب المدرسي مع عائلة قداد.”

فراغ إداري وشلل حكومي

وفي قراءة موازية، يرى المحلل السياسي محمد محفوظ أن الخطوة القضائية الأخيرة ستُحدث فراغاً إدارياً واسعاً داخل مؤسسات الدولة، قائلاً:

“ثلاث وزارات مشوا في دخان سحور، البلد ستعاني من فراغ عميق، وسيتأخر الإنجاز في وزارات مهمة كالعمل والتعليم والخدمة المدنية.”

تصريحات محفوظ تعكس قلقاً متنامياً في الأوساط الإدارية والتعليمية من أن تؤدي هذه الإجراءات إلى تعطيل مشاريع حيوية، خصوصاً تلك المتعلقة بإصلاح المناهج وتوظيف المعلمين، فضلاً عن التأثير المباشر على العام الدراسي المقبل.

الرأي الشعبي: لا أحد فوق القانون

في الشارع الليبي، استقبل كثير من المواطنين القرار القضائي بمزيج من الارتياح والحذر.
يقول المواطن عبد الكريم الورفلي، وهو موظف بقطاع التعليم في طرابلس:

“الخطوة جريئة، لكننا نريد أن نرى العدالة تُطبّق على الجميع، لا أن تكون انتقائية.”

أما نجاة الشويهدي، وهي ولية أمر لطالبين في المرحلة الابتدائية، فعبّرت عن سخطها قائلة:

“أبناؤنا بدأوا العام الدراسي بدون كتب، والوزارة لم تتحرك إلا بعد أن فاحت رائحة الفساد. نريد إصلاحاً حقيقياً لا مجرد اعتقالات إعلامية.”

النيابة العامة تكسب ثقة الشارع

تسعى النيابة العامة في طرابلس منذ شهور إلى تعزيز هيبتها واستقلالها من خلال فتح ملفات كانت حتى وقت قريب “مناطق محرّمة”، خاصة تلك التي تطال وزراء ومسؤولين نافذين.
مصادر قانونية أكدت أن التحقيقات في ملف الكتاب المدرسي ستتوسع لتشمل مسؤولين آخرين، وأن القضية “قد تكشف شبكة فساد تمتد بين وزارات متعددة”.

الكتاب المدرسي.. عنوان أزمة وطن

تحولت أزمة طباعة الكتاب المدرسي من مجرد ملف إداري إلى رمز لأزمة وطنية أوسع، تعكس التداخل بين الفساد وسوء الإدارة وغياب الرؤية التعليمية.
يرى الخبير التربوي د. عبد الله الشاعري أن القضية “تجسد مأساة التعليم في ليبيا منذ عقد كامل”، موضحاً أن “الكتاب المدرسي أصبح مرآة لفساد الدولة، وليس مجرد وسيلة تعليمية.”

ويضيف الشاعري:

“حين يعجز نظام بأكمله عن توفير كتاب لطفل، فهذه ليست مجرد قضية فساد، بل دليل على انهيار مؤسسات الدولة.”

المجتمع الدولي.. ازدواجية الموقف

اللافت أن المجتمع الدولي، الذي لا يزال يعترف بحكومة الدبيبة، يواصل التزام الصمت تجاه تصاعد ملفات الفساد داخلها، رغم تقارير دبلوماسية سابقة أشارت إلى تجاوزات مالية ضخمة في عقود حكومية، بما في ذلك قطاع التعليم.
يرى مراقبون أن ازدواجية الموقف الدولي تجاه حكومة الدبيبة تشجع على استمرار نمط “الإفلات من العقاب”، طالما أن الحكومة تؤدي أدواراً سياسية وأمنية تخدم مصالح الأطراف الأجنبية في ليبيا.

سقوط الهيبة الحكومية

الاعتقالات الأخيرة، وفق متابعين، تمثل ضربة قاسية لهيبة حكومة الدبيبة.
ويرى الخبير في الشأن الليبي د. عبد المجيد أحواس أن “الشارع فقد ثقته في قدرة الحكومة على الإصلاح”، مشيراً إلى أن “تعدد الحقائب بيد وزير واحد يعكس غياب التخطيط والرقابة.”

المستقبل السياسي.. إلى أين؟

يتساءل الشارع الليبي اليوم: هل تمثل هذه التحقيقات بداية حملة حقيقية لمكافحة الفساد؟ أم مجرد تصفية حسابات بين مراكز نفوذ متصارعة داخل طرابلس؟
الجواب، بحسب محللين، يعتمد على مدى استقلال القضاء واستمرارية التحقيقات، بعيداً عن التوجيهات السياسية أو الضغوط التنفيذية.

وفي ظل تزايد المطالب الشعبية بإجراء انتخابات عامة جديدة، يرى البعض أن هذه التطورات قد تعجل بتآكل الحكومة الحالية، وربما تدفع القوى الدولية إلى إعادة النظر في خارطة الشرعية الليبية.

لحظة اختبار للدولة الليبية

قرار النيابة العامة بحبس وزير التربية والتعليم ليس مجرد حدث إداري، بل مؤشر على لحظة اختبار حقيقية للدولة الليبية:
هل ستنجح في ترسيخ مبدأ سيادة القانون والمساءلة؟
أم ستبقى رهينة لدوائر النفوذ والولاءات؟

في كل الأحوال، يبقى الشارع الليبي متعطشاً إلى عدالة تطال الجميع دون استثناء، وإلى حكومة تمتلك الشرعية الحقيقية التي يمنحها الشعب، لا تلك التي تأتي بتوقيع من الخارج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى