زوارة تتهم حكومة الدبيبة باستهداف المدنيين وتضليل الرأي العام
سرية إسناد السواحل: ضربات زوارة مسرحية لإخفاء فساد الحكومة.
ليبيا 24
انقسام حاد في ليبيا: اتهامات متبادلة بشأن عمليات ميناء زوارة واستهداف المدنيين
تشهد الساحة الليبية تصعيداً خطيراً في الخطاب بين سلطات الأمر الواقع في طرابلس وممثلي مدينة زوارة، على خلفية عمليات عسكرية استهدفت ميناء المدينة. حيث تتبادل الأطراف الاتهامات بشأن طبيعة هذه العمليات وأهدافها الحقيقية، في مشهد يعكس عمق الانقسام واستمرار تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية.
اتهامات من زوارة: استهداف متعمد للمدنيين وممتلكاتهم
جاء التصعيد من خلال تصريح تلفزيوني لرئيس مجلس حلماء وأعيان زوارة، غالي الطويني، الذي وجه اتهامات مباشرة إلى حكومة عبد الحميد الدبيبة، واصفاً إياها بـ”منتهية الولاية”. وحمّل الطويني الحكومة المسؤولية الكاملة عن ما وصفه بـ”ترويع المدنيين وحرق ممتلكاتهم” في المدينة.
وأكد الطويني في تصريحه أن “مراكب الصيد التي احترقت في الميناء جراء استهداف الطيران المسير لها معدة للعمل وليست أوكارا للتهريب”، مشدداً على أن العملية العسكرية ركزت على “ممتلكات الصيادين والمواطنين ولم يكن هناك استهداف لأوكار المهجرين”. واتهم المسؤول المحلي حكومة الدبيبة بـ”تضليل الرأي العام وتبرير قصف المدنيين بذريعة مكافحة الهجرة غير القانونية”.
وكشف عن أن الجهات المعنية في المدينة “بصدد فتح محاضر في مراكز الشرطة واتخاذ كامل الإجراءات القانونية حيال ترويع الآمنين وقصف المواقع المدنية”، مما يفتح الباب أمام تطور قانوني قد يزيد الموقف تعقيداً.
بيان حاد من سرية إسناد أمن السواحل: الاتهام بالمسرحية الإعلامية
من جهة أخرى، جاء ردة الفعل من حساب “سرية إسناد أمن السواحل” على منصة التواصل الاجتماعي “إكس” أكثر حدة وسخرية، حيث هاجم البيان الذي نشرته الحكومة ووصفه بأنه “مفبرك”. واتهم السرية الحكومة بـ”التباهي أمام وسائل الإعلام وكأنها أنجزت نصراً عظيماً”، معتبرة أن ما حدث ليس سوى “مسرحية إعلامية جديدة لتغطية فشلها المتكرر”.
وربط البيان بين العملية العسكرية وما وصفه بفساد واسع النطاق، حيث جاء فيه: “كل هذا الضجيج ليس سوى محاولة بائسة لإخفاء حجم الفساد الذي تجاوز كل الحدود، ولصرف أنظار الناس عن الدين العام الذي وصل إلى 300 مليار دينار، وعن صفقات شركة النفط الوطنية المشبوهة وعن الملايين التي تصرف لرؤوس المليشيات لبقائها في السلطة”.
واتهمت السرية الحكومة بمحاربة المدنيين عوضاً عن محاربة مهربي البشر الحقيقيين، مستنكرة أن تكون “قوارب صيد مدنية واثنين من قوارب خفر السواحل” هي أهداف للتهريب، مشيرة إلى وقوع إصابات بين المدنيين “منهم من في حالة حرجة”.
سرديتان متضاربتان وحقيقة غائبة
تشكل التصريحات المتبادلة نموذجاً صارخاً لاستحالة وجود رواية موحدة حول الأحداث في ليبيا. فبينما تقدم الحكومة نفسها كمكافحة للهجرة غير الشرعية واستهداف شبكات التهريب، تقدم الجهات الأخرى في زوارة نفسها كضحية لاستهداف عشوائي وغير مبرر للمواطنين ومصادر رزقهم.
ويبدو أن ثمة استقطاباً حاداً داخل المدينة نفسها، حيث أشار بيان السرية إلى “وجود أشباه الرجال من داخل المدينة يقدمون معلومات غالطة وكاذبة وإحداثيات مزيفة”، وهو اتهام يعمق من جذور الصراع المحلي ويشير إلى وجود انقسامات مجتمعية قد تكون أخطر من الصراع السياسي العلني.
سياق الأزمة المتعددة الأبعاد
لا تأتي هذه الأحداث في فراغ، بل تتزامن مع أزمات ليبيا المتشابكة: استمرار وجود حكومتين، واحدة في الشرق وأخرى في الغرب، وانتشار للمليشيات المسلحة، وأزمة اقتصادية طاحنة يعاني منها المواطن العادي، وتعثر في عملية المصالحة الوطنية.
ويبدو أن ذريعة “مكافحة الهجرة غير الشرعية” أصبحت ورقة تتداولها الأطراف المختلفة في الصراع الليبي لتبرير تحركاتها العسكرية أو لكسب رضا المجتمع الدولي، بينما يدفع المدنيون الثمن من أمنهم وممتلكاتهم.
تداعيات محتملة واستمرار للانقسام
تبقى التداعيات المباشرة لهذا التصعيد غير واضحة المعالم، لكن المؤكد أنه يزيد من تعقيد المشهد ويؤجج الغضب الشعبي في مناطق غرب ليبيا، وخاصة في المدن التي تشعر بالتهميش أو الاستهداف. كما أن تهديد اللجوء إلى الإجراءات القانونية من قبل وجهاء زوارة قد يفتح باباً جديداً من النزاع، وإن كان في أروقة القضاء الذي يعاني بدوره من انقسامات موازية.
تبقى الحقيقة الأكبر هي أن الشعب الليبي هو الخاسر الأكبر في هذه المعمعة. فبينما تتجادل الأطراف وتتبادل الاتهامات، يستمر المدنيون في المعاناة من انعدام الأمن، وتدهور الخدمات، وانهيار الاقتصاد، وضياع مستقبل البلاد. وتؤكد أزمة زوارة أن الطريق نحو الاستقرار في ليبيا لا يزال طويلاً وشائكاً، وأن حلحلة الأزمة تتطلب في المقام الأول إرادة سياسية حقيقية تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وهو ما يبدو غائباً في ظل الاستقطاب الحاد والاتهامات المتبادلة التي تزيد الوضع تأزماً.



