دولىليبيا

ضغوط دولية على حكومة الدبيبة لإغلاق مراكز احتجاز المهاجرين بعد تقارير انتهاكات

المجتمع الدولي يطالب بتحقيق في "مقابر جماعية" للمهاجرين وانتهاكات بمراكز تابعة للدبيبة

ليبيا 24

أشعلت تقارير عن “مقابر جماعية” و”تعذيب منهجي” عاصفة من الإدانات الدولية ضد حكومة الدبيبة منتهية الولاية، وسط مطالبات متصاعدة بإغلاق مراكز احتجاز المهاجرين التي توصف بأنها “بؤر للانتهاكات الجسيمة”، في وقت تواصل فيه الجماعات المسلحة التمتع بإفلات تام من العقاب.

جبهة حقوقية موحدة في جنيف

في مشهد يعكس تصاعد السخط الدولي، شهدت جلسات الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة بجنيف هجوماً منسقاً على سجل ليبيا المظلم في التعامل مع آلاف المهاجرين العالقين على أراضيها. قادت الهجنة دول أوروبية وأفريقية على حد سواء، حيث ألقت بريطانيا، إسبانيا، النرويج، وسيراليون باللوم مباشرة على الحكومة منتهية الولاية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، متهمة إياها بالتخلي عن التزاماتها الدولية في حماية الفئات الأكثر ضعفاً.

وصلت الذروة عندما كشفت السفيرة البريطانية، إليانور ساندرز، عن “قلق بالغ” من تقارير مروعة عن “العثور على مقابر جماعية تحتوي على جثث مهاجرين تحمل آثار طلقات نارية”، مطلبة على الفور “بفتح تحقيق دولي مستقل وإتاحة وصول غير مقيد لجميع مواقع الدفن المشتبه بها”. لم تكن النرويج بعيدة عن وطأة الانتقادات، حيث دعا سفيرها، تورمود إندرسن، إلى “وقف فوري وغير مشروط للاعتقالات التعسفية التي تستهدف المهاجرين وضمان حماية كل من هو عرضة للخطر”.

رد حكومة الدبيبة: بين لغة التبرير وتحويل الأنظار

في مواجهة هذه العاصفة، وقف القائم بأعمال وزير الخارجية بحكومة الدبيبة، محمد الطاهر سالم الباعور، في قاعة الأمم المتحدة، ليس للاعتذار أو الوعد بإصلاحات جذرية، بل لرسم صورة لليبيا كـ”ضحية” لتدفقات بشرية هائلة وصفها بأنها “عبء اقتصادي واجتماعي وأمني كبير”. في خطاب دفاعي، حاول الباعور تحويل بوصلة النقاش من انتهاكات حقوق الإنسان إلى التحديات التي تواجهها بلاده، مصراً على أن حكومته تبذل “جهوداً كبيرة” رغم “الانقسامات السياسية والأمنية والحساسية المرحلة الانتقالية”.

هذا الرد الذي افتقر إلى أية إشارة ملموسة لتحقيق في الاتهامات الخطيرة، أو خطط لإصلاح نظام الاحتجاز، عزز شكوك المراقبين بأن السلطة الفعلية في ليبيا بعيدة عن أيدي الحكومة المعترف بها دولياً، وأن سلسلة القرار بيد شبكات معقدة من الميليشيات والجماعات المسلحة.

انشقاق في الصفوف: منظمات الإغاثة ترفض التواطؤ

وفي تطور يعكس عمق الأزمة، لم تنتظر منظمات الإغاثة الدولية ردود الأفعال الرسمية. ففي خطوة احتجاجية تاريخية، أعلنت 13 منظمة إغاثة دولية كبرى، في الثامن من نوفمبر الجاري، تعليق تعاونها الميداني مع حرس السواحل الليبي، الذي تتهمه بـ”تزايد أعمال العنف أثناء عمليات اعتراض قوارب المهاجرين في المياه الدولية”. وأشار بيان المنظمات إلى أن الناجين من هذه العمليات “يتعرضون لاحقاً لسلسلة من الانتهاكات الممنهجة داخل مراكز الاحتجاز”، مما دفعها إلى قطع هذا التعاون تجنباً لأي شكل من أشكال التواطؤ في هذه الانتهاكات.

هذا القرار يضع حرس السواحل الليبي، الذي تدربه وتسلحه دول أوروبية، تحت المجهر بشكل غير مسبوق، ويثير تساؤلات حادة حول جدوى وشرعية سياسة دعمه بهدف الحد من تدفق المهاجرين عبر المتوسط، بغض النظر عن الانتهاكات التي يرتكبها.

ميليشيات بلا رقيب: إفلات من العقاب يعيق العدالة

بالتوازي مع جلسات جنيف، سلطت منظمات حقوقية محلية ودولية الضوء على الجذر الحقيقي للأزمة: إفلات الجماعات المسلحة من العقاب. وفي رسالة عاجلة إلى الأمم المتحدة، كشفت هذه المنظمات أن “هذه الجماعات تعمل دون أي رادع، وتعرقل عمل النظام القضائي بشكل منهجي، وترتكب انتهاكات واسعة النطاق ضد الليبيين والمهاجرين على حد سواء”. هذه الصورة تؤكد أن أية إصلاحات في قطاع الهجرة لن تنجح دون نزع سلاح هذه الميليشيات وإخضاعها لسيادة القانون، وهو أمر يبدو بعيد المنال في الأفق الحالي.

بصيص أمل: عمليات العودة الطوعية تواجه تعقيدات بيروقراطية

بعيداً عن صخبة الانتهاكات، شهد مطار معيتيقة الدولي في طرابلس بصيص أمل، وإن كان محدوداً، مع إقلاع طائرة أقلت على متنها 91 سورياً في رحلة عودة طوعية إلى دمشق، نظمتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وأكد الناشط الحقوقي طارق لملوم أن “الرحلة جرت بالتنسيق الكامل مع المفوضية”، لكنه حذر في الوقت ذاته من أن “استمرار هذه العمليات الإنسانية مرهون بعدم وضع عراقيل جديدة من قبل وزارة الداخلية الليبية”، في إشارة إلى التعقيدات البيروقراطية والأمنية التي قد تعرقل هذه المسارات الحيوية للكثيرين.

خلاصة: أزمة إنسانية تبحث عن حل سياسي

تبقى الصورة العامة قاتمة. فالمشهد في ليبيا يختزل مأساة إنسانية متعددة الأبعاد: مهاجرون محتجزون في ظروف لا إنسانية، وجماعات مسلحة تتحكم بمصائر البشر، وحكومة ضعيفة تفتقر للإرادة أوالقدرة على فرضها، ومجتمع دولي منقسم بين شعارات حقوقية وسياسات حدودية متشددة. الحل الجذري لأزمة مراكز الاحتجاز لن يأتي من خلال بيانات شجب في جنيف فقط، بل من خلال معالجة الفراغ الأمني والسياسي في ليبيا، وإنهاء حالة الانقسام التي جعلت من البلاد ساحة مفتوحة لانتهاكات وصفت بأنها من الأسوأ في العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى