على السواحل الشمالية لموزمبيق.. داعش الإرهابي يعود بعد قطع المساعدات الأمريكية
ثروة الغاز.. وأزمة أمنية متصاعدة

على السواحل الشمالية لموزمبيق، يعود تنظيم داعش في «ولاية وسط أفريقيا» ليظهر من جديد وسط فراغ كبير خلّفه توقف المساعدات الأمريكية.
هناك، حيث تختلط رائحة البحر بوقع الرصاص، بدا المشهد مختلفًا.. سبعة مسلحين يعتلون منبر مسجد صغير قرب موكيمبوا دا برايا، يرفعون راية التنظيم علنًا، ويتحدثون بثقة إلى سكان أنهكتهم سنوات طويلة من الخوف والنزوح.
عودة داعش.. مشاهد القوة والدم
لم يكن ذلك مجرد عرض للقوة، بل إعلان واضح عن عودة تنظيم وجد في الانهيار المفاجئ لبرامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية فرصة لملء فراغ انساني وخدماتي شديد. فبعد أن أوقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عمل الوكالة، تجمدت مشروعات كانت تمس حياة الناس اليومية.. مساعدات غذائية عاجلة، دعم للبلديات المحلية، تعليم، مياه، علاج الإيدز، وبرامج صُممت خصيصًا لمنع تجنيد الشباب في صفوف المتطرفين.
بغياب هذه البرامج، التهم الفقر مزيدًا من الشباب، واتسعت الهوة بين الدولة والمجتمعات الطرفية، وفتح ذلك الباب أمام المتمردين ليظهروا باعتبارهم القوة الوحيدة الحاضرة على الأرض.
إقليم كابو ديلغادو، الذي عاش ثماني سنوات من العنف والفوضى، شهد موجة جديدة من الرعب في سبتمبر الماضي، حين شنّ داعش هجومًا دمويًا على موكيمبوا دا برايا، وقطع رؤوس عشرات الرجال. عاد النزوح من جديد، وفرّ الآلاف هربًا من هجمات ليلية تستهدف منازل بعينها.
بلد هشّ.. وفقر عميق يغذي التمرد
في بلد يعيش أكثر من نصف سكانه تحت خط الفقر، ويتوسط عمر مواطنيه 17 عامًا فقط، كانت المساعدات الأمريكية أكثر من مجرد دعم خارجي؛ كانت عنصر توازن يمنع انهيار المجتمعات المحلية بشكل كامل. توقفت هذه المساعدات، فغادر عشرات العاملين الإنسانيين، وأُغلقت مكاتب، وازدحمت المخيمات التي تعجز اليوم عن تلبية الاحتياجات الأساسية لعشرات الآلاف من النازحين.
في حي فيليب نيوسي ما زالت آثار الهجمات الأخيرة واضحة. يروي الناجون كيف طرق المسلحون أبوابًا محددة، بحثًا عن رجال يعتقد أنهم ميسورون. أحد الضحايا، ألبانو نكويِمبا، عُثر عليه مقيدًا ومقطوع الرأس، قرب أكياس فارغة كانت تحمل شعار USAID، وكأن المكان كله يختصر قصة الانهيار.
على مسافة ليست بعيدة، تلمع حقول الغاز الطبيعية الهائلة قبالة ساحل بالما.. مشاريع بمليارات الدولارات تتطلع شركات كبرى إلى استئنافها، بينما يقترب التمرد من حدودها يومًا بعد يوم… المفارقة أن الولايات المتحدة التي خفّضت مساعداتها الإنسانية، موّلت في الوقت نفسه قرضًا ضخمًا لدعم تطوير مشروع الغاز.
هكذا يبدو المشهد اليوم.. دولة فقيرة، تمرد يتغذى على اليأس، سكان بلا حماية، ومصالح اقتصادية كبرى تواجه خطرًا يتنامى. وبين كل ذلك، يجد داعش مساحة جديدة لمدّ نفوذه، مستفيدًا من كل فراغ تتركه الحكومات والجهات الدولية خلفها.



