غير مصنف

دول عربية تشدد الرقابة على “روبلوكس” لحماية الأطفال من مخاطرها

ليبيا أمام تحدٍّ مزدوج: ازدهار سوق الألعاب الإلكترونية وغياب الرقابة الفعّالة



في خطوة متسارعة ومتزامنة، تشن عدة دول عربية حملة غير مسبوقة لفرض رقابة صارمة على منصات الألعاب الإلكترونية الشهيرة، مستهدفةً بشكل أساسي لعبة “روبلوكس” العالمية، التي تجتاح منازل الملايين، في إطار سياسة أوسع تهدف إلى حماية الأطفال والمجتمع من المخاطر الرقمية المتزايدة التي تتربص بهم في الفضاء الافتراضي.

تصدرت دول الخليج العربي هذه الموجة الرقابية، حيث أعلنت كل من قطر والكويت في أغسطس من العام الجاري 2025، عن حظر كامل للعبة “روبلوكس”، مانعتين وصول مواطنيها إلى الخوادم الخاصة بها. وجاء القرار، وفقاً للبيانات الرسمية، نتيجة “مخاوف عميقة تتعلق بسلامة الأطفال وسلامتهم النفسية والسلوكية”، في إشارة إلى المحتوى غير المناسب وسهولة تواصل الأطفال مع غرباء قد يستغلون براءتهم.

ولم تكن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أقل حزماً، وإن اختلفت الآلية. فبدلاً من إقرار الحظر الشامل، اتجهت الدولتان إلى خيار “التقييد الذكي”، حيث فرضتا قيوداً مشددة على وظيفة الدردشة داخل اللعبة، والتي تعد البوابة الرئيسية لأي تواصل قد ينطوي على تهديد محتمل، مع الإبقاء على الجانب الترفيهي والإبداعي الذي توفره المنصة.

لم تأتِ هذه الإجراءات من فراغ، بل هي استمرار لسياسة رقابية بدأت قبل سنوات. ففي سابقة كانت الأولى من نوعها، حجبت الإمارات اللعبة بالكامل بين عامي 2018 و2021، في خطوة استباقية لدرء أخطارها. وعلى المنوال نفسه، سار كل من الأردن في عام 2020 وسلطنة عُمان في عام 2021، بفرض قيود مماثلة، مما يؤكد وجود إجماع عربي ناشئ على ضرورة تنظيم هذا القطاع الحيوي والحساس.

ويقول محللون سياسيون لـ”ليبيا 24″ إن هذه الموجة تعكس تحولاً جوهرياً في رؤية الحكومات العربية لطبيعة التهديدات في العصر الرقمي، حيث لم تعد الأمن القومي مقتصراً على التهديدات التقليدية، بل امتد ليشمل حماية النسيج الاجتماعي والهوية الثقافية والقيم الأسرية من الاختراق عبر هذه المنصات مفتوحة المصدر في كثير من الأحيان.

بينما تشتد الحملة في عمق المنطقة، تظهر ليبيا كحالة شاذة ومقلقة. فبالرغم من وجود إطار قانوني نظرياً يجرم المخالفات الإلكترونية، ممثلاً في قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية لسنة 2022، والذي يمنح الهيئة الوطنية لأمن وسلامة المعلومات صلاحيات حجب المواقع ومراقبة المحتوى لحماية “النظام العام والآداب”، إلا أن الواقع العملي يروي قصة مختلفة تماماً.

فعلى أرض الواقع، لا توجد أي أدلة ملموسة على قيام أي جهة رسمية، سواءً في شرق البلاد أو غربها، بمراقبة منهجية لمحتوى الألعاب الإلكترونية أو دراسة تأثيرها العميق على شريحة مجتمعية واسعة، خصوصاً الأطفال والمراهقين. هذه الفجوة الرقابية تترك ملايين المستخدمين الليبيين عرضة لمخاطر حقيقية تمتد من العزلة الاجتماعية والإدمان السلوكي واضطرابات النوم، إلى تبني سلوكيات ومفاهيم تتعارض مع قيم المجتمع والدين.

في المقابل، وعلى النقيض من غياب الرقابة، فإن سوق الألعاب الإلكترونية في ليبيا يشهد ازدهاراً لافتاً. وفقاً لتقرير حصري لشركة “6Wresearch” للأبحاث حصلت “فواصل” على نسخة منه، فإن هناك أكثر من 1.25 مليون لاعب ليبي نشط على المنصات الرقمية المختلفة.

ويُرجع التقرير هذا النمو المتسارع إلى عدة عوامل، أبرزها الانتشار الكاسح للهواتف المحمولة، والزيادة المطردة في نسبة انتشار الإنترنت، والأهم من ذلك، التركيبة الديموغرافية الفتية للمجتمع الليبي، حيث تمثل الشريحة الشبابية ما يقارب 60% من إجمالي السكان، مما يخلق بيئة خصبة لهذه الصناعة.

ويكشف التقرير عن وجه آخر أكثر قتامة لهذا الازدهار، حيث تتصدر المراهنات الرياضية عبر الإنترنت قائمة الأنشطة الأكثر رواجاً بين اللاعبين. وتليها في الانتشار ألعاب الكازينو الإلكترونية، التي تقدم بشكل مقنع تحت غطاء الترفيه.

ولا تقل الألعاب التنافسية مثل “ببجي موبايل” (PUBG Mobile) و”فالورانت” (Valorant) شعبية، لكنها غالباً ما تكون بيئة خصبة للتواصل غير المرغوب فيه والممارسات غير الأخلاقية. ولتجاوز أي قيود قد تفرضها السلطات، واصل اللاعبون والمشغّلون الاعتماد على تقنيات الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) والعملات المشفرة لإتمام عملياتهم، مما يجعل تتبعهم مهمة شبه مستحيلة في ظل الفوضى السائدة.

هذا المشهد المعقد يطرح تساؤلات مصيرية حول قدرة المؤسسات الليبية، في ظل انقسامها السياسي والحوكمي الحاد، على بناء نظام رقابي إلكتروني فعال ومتين. يبدو التحدي مزدوجاً: فهو يجمع بين ضرورة حماية الأطفال والنسيج الاجتماعي من المخاطر الرقمية الداهمة، وفي الوقت نفسه العمل على استقرار المؤسسات الرقمية وتطويرها لمواكبة هذا التطور الهائل.

فالانقسام المؤسسي يعيق بشكل كبير أي محاولة لتنسيق الجهود بين الجهات التقنية والأمنية والتربوية المختلفة، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام استمرار هذه الفجوة الأمنية الخطيرة. السؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل ستتمكن ليبيا من اللحاق بالقطار العربي السريع towards الرقابة الرقمية الواعية، أم أن أطفالها سيبقون رهائن في عالم افتراضي بلا قوانين ولا حواجز؟


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى