
ليبيا 24
تشهد ليبيا هذه الأيام احتقاناً اجتماعياً غير مسبوق، حيث خرج المئات في مظاهرات غاضبة في مدن طرابلس ومصراتة رافعين شعارات ترفض توطين المهاجرين، وسط مخاوف متزايدة من تحول الأزمة إلى مواجهات عنيفة. هذه التحركات الشعبية تأتي في وقت تواجه فيه البلاد ضغوطاً دولية متزايدة للتعامل مع ملف الهجرة غير النظامية، الذي أصبح يشكل تحدياً وجودياً للدولة الليبية الهشة أساساً.
غضب في الشوارع.. صرخة مواطن عاجز
في مشهد يعكس عمق الأزمة، تجمع المئات في ميدان الشهداء بطرابلس حاملين لافتات كتب عليها “ليبيا لليبيين” و”لا لتغيير هوية ليبيا”. محمد العريبي (45 عاماً) أحد المشاركين في التظاهرة يقول: “لم نعد نتحمل المزيد، الأحياء أصبحت غريبة عنا، والجرائم في تزايد، والدولة غائبة”. هذه المشاعر يعبر عنها أيضاً أحمد الفيتوري (32 عاماً) من مصراتة: “نطالب بحلول جذرية، لكننا ضد العنف ضد أي إنسان”.
رؤية مسؤولة.. الدبلوماسي حسن الصغير يدعو للمسؤولية المجتمعية
برزت أصوات عاقلة تدعو إلى الحكمة في التعامل مع الأزمة، حيث قدم الدبلوماسي حسن الصغير رؤية عملية تركز على معالجة جذور المشكلة. عبر صفحته على فيسبوك، أكد الصغير أن “البداية يجب أن تكون بأبناءكم المهربين وتجار البشر ومعاقبتهم وتحجيمهم ونبذهم اجتماعياً”.
وأضاف الصغير في تحليل دقيق للمشكلة: “البداية تكون برفض تأجير عقاراتكم لهم دون مسوغات قانونية، والبداية تكون برفض توظيفهم أو تشغيلهم إذا لم تكن لديهم تصاريح وموافقات للعمل”. هذه الرؤية تضع المسؤولية على عاتق المجتمع كخط دفاع أول أمام استفحال الظاهرة.
تحذير إنساني.. الباحثة ريم البركي تناصر حقوق المهاجرين
من جهة أخرى، قدمت الباحثة في شؤون الهجرة الدكتورة ريم البركي رؤية إنسانية صادمة للواقع المعيشي للمهاجرين. قالت البركي: “المهاجرين راهم ما يبوكمش.. ولا هما مستمتعين بعيشتهم وسطنا.. وعشيتهم مع أصحاب العمل عيشة غبرة”.
وأضافت البركي في منشور لها عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك رصدته ليبيا 24: “تخدموهم بالسخرة وتغتصبوا نساءهم وتطلعوا عليهم عقدكم النفسية وتسرقوا عرق جبينهم”. محذرة من العواقب الأخلاقية: “اتقوا الله فيهم عشان ربي ما يخفسش بيكم الأرض!”.
جذور الأزمة.. أرقام صادمة وواقع مرير
وفقاً لأحدث البيانات الرسمية، فإن ليبيا تستضيف ما يقرب من 2.5 مليون مهاجر، 80% منهم دخلوا البلاد بطرق غير شرعية. هذه الأرقام تثير ذعراً حقيقياً في مجتمع يبلغ عدد سكانه الأصليين حوالي 7 ملايين نسمة. الدكتورة سارة محمد، الخبيرة في الشؤون الديموغرافية، توضح: “التركيبة السكانية تشهد تحولاً خطيراً، مع غياب أي سياسة حكومية واضحة للتعامل مع الملف”.
بين المطرقة والسندان.. مواطنون يدفعون الثمن
في حي تاجوراء الشعبي بطرابلس، تعيش فاطمة علي (38 عاماً) مع أطفالها الأربعة في منزل يجاوره مبنى يسكنه عشرات المهاجرين. تقول: “أخشى على بناتي من الخروج، أصبحت الشوارع خطرة”. لكنها تؤكد: “نرفض العنف، فكثير من المهاجرين ضحايا مثلنا”. هذه المعاناة اليومية تدفع الكثيرين إلى الاحتجاج، لكن الغالبية تؤكد رفضها لأي عنف ضد المهاجرين.
تحذير دولي.. تداعيات القرارات الأوروبية
كما أشارت البركي إلى البعد الدولي للأزمة، محذرة من تداعيات الانتخابات الإيطالية على ليبيا. وتساءلت: “هل يعلم المسؤول الليبي عمق هذا الطرح؟ هل يعمل المسؤول الليبي على تأمين حدوده الجنوبية؟”. هذه الأسئلة تضع الأزمة في إطارها الإقليمي والدولي الأوسع.
رؤية قانونية.. ضرورة التوازن بين الحقوق والواجبات
المحامي صلاح الزوي يشدد على أن “الحل يجب أن يكون قانونياً وإنسانياً في آن واحد”. ويضيف: “لدينا قوانين تنظم شؤون المهاجرين، لكن تطبيقها غائب بسبب ضعف الدولة”. ويطالب بـ”تفعيل الاتفاقيات الثنائية مع دول المصدر، ووضع آليات واضحة لتسوية أوضاع المهاجرين القانونيين”.
أزمة الهجرة في ليبيا تحتاج إلى مقاربة متوازنة تجمع بين حكمة الصغير في معالجة الجذور، وإنسانية البركي في الحفاظ على الكرامة الإنسانية. كما تحتاج إلى تضافر جهود كل مكونات المجتمع، مع دعم دولي حقيقي يتحمل جزءاً من المسؤولية. المستقبل الوحيد المستدام هو ذلك الذي يحفظ كرامة جميع البشر، ليبيين ومهاجرين على حد سواء.