ليبيا

انقسام المواقف الليبية بعد اعتماد خارطة الطريق الأممية

النواب والدولة يتفقان على توحيد المناصب السيادية قريبًا

ليبيا 24

تصاعد الجدل بين مجلسي النواب والدولة بعد اعتماد خارطة الطريق الأممية

بوادر توافق حول المناصب السيادية وتباين حاد بشأن المسار الأممي

يبدو المشهد الليبي أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى، مع تداخل المسارات السياسية واختلاط الأوراق بين المسار المحلي والإقليمي والدولي. فبينما يسعى مجلسا النواب والدولة إلى تحقيق توافق حول تجديد المناصب السيادية وتوحيد المؤسسات المنقسمة منذ سنوات، جاءت خطوة اعتماد مجلس الدولة لتقرير لجنة دراسة خارطة الطريق الأممية لتعيد خلط الأوراق من جديد، وتفتح الباب أمام جدل واسع حول المسار الذي يمكن أن يقود البلاد نحو الانتخابات والاستقرار.

ففي الوقت الذي يرى فيه بعض النواب أن الاتفاق بين المجلسين على تغيير المناصب السيادية يمثل خطوة واقعية نحو إعادة توحيد المؤسسات، يرى آخرون أن التصويت على مخرجات اللجنة الأممية يمثل عودة إلى المربع الأول وإحياءً للخلافات القديمة.

العرفي: الاتفاق على توحيد المناصب بداية إصلاح مؤسسي شامل

قال عضو مجلس النواب، عبد المنعم العرفي، إن المجلسين اتفقا على المضي قدمًا في تغيير المناصب السيادية وإعادة توحيدها، مؤكدًا أن البداية ستكون من المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
وأوضح العرفي أن المدة التي تم الإعلان عنها لتغيير مجلس إدارة المفوضية كانت عشرة أيام، لكن أحد عشر يومًا قد مرّت بالفعل دون وضوح في آلية التنفيذ أو الخطوات القادمة.
وأضاف قائلًا: “نحن الآن ننتظر موقف رئاسة مجلس النواب من مخرجات جلسة المجلس الأعلى للدولة الأخيرة، لمعرفة ما إذا كانت هذه الخطوة ستنسجم مع التفاهمات السابقة بين اللجنتين المشتركتين أم ستعيدنا إلى نقطة الصفر”.

ويرى العرفي أن أي تأخير في حسم ملف المفوضية العليا للانتخابات سيؤدي إلى تعطيل المسار الانتخابي برمته، مشيرًا إلى أن “البلاد لا تحتمل مزيدًا من المماطلة، وأن إصلاح المفوضية يعد الخطوة الأولى لإعادة الثقة في العملية السياسية”.

بن شرادة: المجلس الأعلى للدولة “ذبح نفسه بيده”

من جانبه، عبّر عضو المجلس الأعلى للدولة سعد بن شرادة عن رفضه لاعتماد تقرير لجنة خارطة الطريق الأممية، معتبرًا أن المجلس “منح البعثة الأممية سكينًا ذبح بها نفسه”، على حد وصفه.
وأوضح بن شرادة في تصريحات صحفية أن تصويت المجلس على مخرجات اللجنة كرس العودة إلى نقطة البداية، بدل المضي في طريق التوافق الوطني. وقال: “منذ تشكيل اللجنة الاستشارية حذرنا من فتح قانون الانتخابات، لأن هذا الإجراء سيدفع الأطراف المتصارعة إلى محاولات إقصاء متبادلة، ويعيدنا إلى دوامة المناكفات السياسية”.

وأضاف: “كان الأجدر بالمجلس أن يتمسك بخارطة طريق ليبية خالصة تنطلق من التفاهمات الداخلية، لا أن يتبنى مقترحات معدّة في مكاتب البعثة الأممية، لأنها غالبًا لا تراعي توازن القوى على الأرض ولا خصوصية المشهد الليبي”.

وأشار بن شرادة إلى أن ما جرى خلال جلسة التصويت يعكس حالة انقسام داخلي حاد داخل مجلس الدولة نفسه، حيث يرى تيار واسع من الأعضاء أن خارطة الطريق الأممية تتعارض مع ما تم التوافق عليه مع مجلس النواب، خاصة فيما يتعلق بالمسار الدستوري والانتخابي.

نعيمة الحامي: التصويت يعزز التوافق حول المفوضية والمناصب السيادية

في المقابل، قدّمت عضو المجلس الأعلى للدولة نعيمة الحامي رواية مغايرة، إذ أكدت أن المجلس صوّت بأغلبية واضحة على اعتماد مقترح لجنة تقييم الخارطة الأممية، حيث أيد القرار سبعة وأربعون عضوًا من أصل ستين.
وقالت الحامي في تصريحات تلفزيونية إن الخطوة جاءت في إطار “تجديد شامل لمجلس إدارة المفوضية العليا للانتخابات”، وأن المجلس قرر الاكتفاء بالأسماء التي ترشحت سابقًا دون فتح باب جديد للترشح.

وأضافت أن هذا التوجه جاء متوافقًا مع ما أفرزته أعمال لجنتي المناصب السيادية في مجلسي النواب والدولة، واللتين توصلتا إلى تفاهمات رسمية أقرها رئيسا المجلسين.
وتابعت الحامي قائلة: “لدينا اتفاق على ضرورة استكمال تجديد مجلس المفوضية قبل إحاطة المبعوثة الأممية المقبلة أمام مجلس الأمن، حتى تكون لدينا مؤسسات انتخابية مكتملة قادرة على إدارة الاستحقاق المقبل دون طعون أو خلافات”.

كما أكدت أن المجلس يعمل بالتوازي مع النواب على التنسيق بشأن اختيار رئيس هيئة الرقابة الإدارية ورئيس هيئة مكافحة الفساد، بما يضمن تحقيق توازن في المناصب الحساسة وعدم ترك أي مؤسسة دون توافق سياسي واضح.

جلسة رسمية بمشاركة تكالة وأعضاء الرئاسة لاعتماد التوصيات

وفي تفاصيل الجلسة، استأنف المجلس الأعلى للدولة جلسته المعلقة رقم (109) برئاسة محمد تكالة، وبحضور نائبيه حسن حبيب وموسى فرج والمقرر بلقاسم دبرز، إلى جانب حضور لافت من الأعضاء.
تضمن جدول الأعمال مناقشة نتائج عمل لجنة تقييم ودراسة خارطة الطريق الأممية، إلى جانب ملف المناصب السيادية. وبعد عرض اللجنة لتقريرها وما توصلت إليه من نتائج، خاض الأعضاء نقاشًا مطولًا انتهى بالتصويت على اعتماد التقرير بأغلبية الحاضرين.

كما استعرض المجلس نتائج المشاورات الجارية بين لجنة المناصب السيادية التابعة له ونظيرتها بمجلس النواب، حيث تم التأكيد على ضرورة استكمال هذا الملف وفق التفاهمات التي تم التوصل إليها بين اللجنتين.
وبحسب مصادر داخل الجلسة، فإن هناك توافقًا على أن أي تعديل في المفوضية العليا للانتخابات يجب أن يراعي التوازن الجغرافي والمؤسسي، وأن يكون اختيار الأسماء على أساس الكفاءة لا المحاصصة.

مراقبون: خطوة حاسمة قد تعيد الثقة أو تعمق الانقسام

يرى مراقبون للشأن الليبي أن التطورات الأخيرة تعكس صراعًا مستمرًا بين من يراهن على المسار الأممي كطريق وحيد للخروج من الأزمة، وبين من يطالب بمسار وطني صرف تقوده المؤسسات الليبية دون وصاية خارجية.
فمن جهة، يُنظر إلى اعتماد خارطة الطريق الأممية كرسالة إيجابية إلى المجتمع الدولي بأن هناك قبولًا بالوساطة الأممية، ما قد يسهل إعادة إطلاق العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة.
ومن جهة أخرى، يخشى البعض أن تكون هذه الخطوة مجرد غطاء لإعادة إنتاج الأزمة بشكل جديد، خاصة أن الخارطة الأممية لم تحظَ بقبول شامل داخل مجلسي النواب والدولة.

ويشير محللون إلى أن الاتفاق على تجديد مجلس إدارة المفوضية العليا للانتخابات يمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة المجلسين على التفاهم، إذ إن فشل هذا المسار سيعني انهيار ما تبقى من الثقة بين الطرفين، وربما عودة الانقسام المؤسسي بشكل أعمق.

البعثة الأممية تتابع بترقب وتستعد لإحاطة جديدة أمام مجلس الأمن

في غضون ذلك، تتابع البعثة الأممية إلى ليبيا برئاسة المبعوثة هانا تيتيه التطورات عن كثب، استعدادًا لتقديم إحاطة جديدة أمام مجلس الأمن خلال الأسابيع المقبلة.
وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن تيتيه ستركز في إحاطتها على ضرورة تجديد الشرعيات في المؤسسات السيادية، والإسراع في توحيد المفوضية العليا للانتخابات وهيئات الرقابة والشفافية، باعتبارها ركائز أساسية لأي عملية انتخابية نزيهة.

ويرى بعض أعضاء مجلس الدولة أن اعتماد تقرير لجنة الخارطة الأممية جاء في جزء منه استجابة غير مباشرة لضغوط الأمم المتحدة، التي تسعى لإظهار تقدم ملموس قبل موعد الإحاطة المقبلة، فيما يعتقد آخرون أن المجلس أقدم على الخطوة بشكل مستقل لإثبات قدرته على المبادرة وصنع القرار.

بين الإرادة الليبية والوصاية الدولية

مع كل هذه التطورات، يقف المشهد السياسي الليبي عند مفترق طرق جديد. فإما أن تنجح إرادة التوافق الداخلي في استكمال توحيد المؤسسات وتهيئة الأرضية للانتخابات، أو أن تعيد الخلافات المتجددة البلاد إلى دوامة الانقسامات القديمة.
ويجمع المراقبون على أن حسم ملف المناصب السيادية، وعلى رأسها المفوضية العليا للانتخابات، سيبقى المؤشر الأبرز على صدق النوايا السياسية في إنهاء المراحل الانتقالية المتكررة وبناء مؤسسات دائمة تمثل جميع الليبيين.

وفي انتظار موقف رئاسة مجلس النواب من مخرجات مجلس الدولة، يبقى السؤال المطروح: هل ما زالت لدى الطبقة السياسية في ليبيا الإرادة الكافية لتجاوز الحسابات الضيقة، أم أن خارطة الطريق الجديدة ستتحول إلى مجرد وثيقة أخرى تُضاف إلى أرشيف المبادرات المؤجلة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى