إدريس احميد يكتب: الأزمة الليبية.. هل إثبات فشل الأمم المتحدة مجرد وقت!
ليبيا 24
تستمر الأزمة الليبية وتدخل في عامها الخامس عشر، والأمم المتحدة تدير الملف بعد عشر مبعوثين لم يتمكنوا من تنفيذ أو إنجاز مهمتهم في الوصول بليبيا إلى الحل النهائي نحو بناء دولة الاستقرار والمؤسسات، التي كانت هدف التغيير في عام 2011.
فالأزمة الليبية هي نتاج من صنع الليبيين خلال أربعين عامًا، أريد تغييرها إلى حكم للتداول على السلطة، ولكن الواضح أن الليبيين ليسوا مستعدين لحل أزمتهم التي أدخلت البلاد في انقسام وأزمات مجتمعية وسياسية واقتصادية، وتدخلات إقليمية ودولية منذ بداية أحداث 17 فبراير 2011.
مما يؤكد على التساؤلات التي لا زالت قائمة وتحتاج إلى الاعتراف أو تحديد حقيقة المشكلة، فإذا كانوا يريدون دولة مستقرة ينعم فيها الجميع بالعدالة والحرية والعيش الكريم، لأنهو أسباب الانقسام والخلافات وساهموا في حلها من خلال وعيهم بمواطن الخلل وأسبابه.
أمام وقائع أهمها الانفلات الأمني والإقصاء والصراع على السلطة من أجل تحقيق مكاسب وانفراد بالسلطة والعودة إلى الوراء، وأمام تحديات أهمها غياب المصالحة الوطنية التي أصبحت شعارًا ينادي به الجميع دون أي فعل حقيقي يجسدها، من خلال سيطرة أطراف معينة على المشهد السياسي والعسكري بوجود السلاح خارج شرعية الدولة.
كما فشلت المراحل الانتقالية، ابتداءً من فشل المجلس الانتقالي الذي جمع أطرافًا وقفت ضد النظام السابق حتى إسقاطه، ثم انفرط عقده ليظهر كل طرف بأجندته التي أكدت عدم وجود مشروع وطني يقود البلاد نحو مرحلة الانتخابات، التي كانت أولى مراحل الانقسام وكشفت النوايا التي تحمل أجندة ضيقة داخلية وتخدم مصالح إقليمية.
وسلم المجلس الانتقالي السلطة بعد أول انتخابات في 7 يوليو 2012، والتي تعرضت للانقلاب عليها من أطراف ادعت الديمقراطية والتداول على السلطة، وبذلك يتحمل المجلس الانتقالي المسؤولية الأخلاقية عندما أجرى انتخابات دون ضمان نجاحها ولم يتدخلوا وذهبوا في حال سبيلهم.
جاءت بعد ذلك حكومات من خلال حوارات “الصخيرات 2015” و”جنيف 2021″، ناهيك عن الحكومات الأخرى التي شُكّلت، لكنها عجزت عن تحقيق المصالحة وجمع السلاح وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
أما الأمم المتحدة فقد مارست مهمة إدارة الأزمة، وإن أنجزت اتفاق الصخيرات وجنيف، إلا أن ذلك لم يُستفد منه بالشكل المطلوب. فقد سارت البعثة الأممية جنبًا إلى جنب مع الأطراف الليبية في مقترحات وحلول نظرية جُرّبت ولم تأتِ بالحل، لأن التدخلات الإقليمية والدولية منقسمة حول ليبيا وفق مصالح كل دولة.
ولو كانت الأمم المتحدة تتحلى بالجدية في إدارة الملف الليبي، لاستخدمت أدوات الضغط الحقيقي لإلزام الأطراف على إنهاء الانقسام وإنجاز الحل، كما فعلت ستيفاني ويليامز في اتفاق جنيف، وإن كان حلًّا مؤقتًا لا يخدم المصلحة الليبية في إنجاز حل نهائي.
وفي المقابل، يظل المبعوث غسان سلامة من أفضل المبعوثين الذين أرادوا فعلاً حل الأزمة الليبية، لكنه لم يتمكن بسبب حجم التدخلات الخارجية وعدم اقتناع الأطراف الليبية بإنهاء الأزمة.
ولعل المشهد اليوم واضح لكل الليبيين أصحاب المصلحة الحقيقية في بناء الدولة، بأن سياسات الأمم المتحدة في ليبيا لن تنجح في ظل غياب الإرادة، أو بسبب الانقسام داخل مجلس الأمن، ولا صحة للدعوات والقرارات والمؤتمرات الدولية التي تعقد باسم حل الأزمة الليبية.
فالأزمة تحتاج إلى واقعية لتحديد مواطن الخلل وأولوياتها، وأهمها سيطرة أطراف معينة لا ترغب في حل لا يخدم مصالحها، فضلًا عن أن الحل لا يمكن أن يتحقق في ظل غياب الجانب الأمني ووجود السلاح خارج شرعية الدولة.
وهذا الملف تحديدًا لم تركز عليه البعثة الأممية بالجدية المطلوبة، إذ انشغلت بالحل السياسي الذي لن ينجح ما لم يتم جمع السلاح.
وأمامنا نموذج واضح في هذا الملف، وهو نجاح القيادة العامة للجيش الليبي في جمع السلاح وإنهاء الفوضى في مساحة واسعة من البلاد، من خلال توحيد المؤسسة العسكرية عبر لجنة (5+5) التي أصدرت قرارات مهمة لكنها لم تلقَ الدعم الحقيقي من مجلس الأمن تحديدًا.
لذلك نعتقد أن المسار الأمني يجب أن يأخذ الأولوية إلى جانب المسار السياسي، لنرى كيف يمكن تحقيق حل يُبنى عليه لإجبار السياسيين على الاتفاق بدلًا من إضاعة الوقت في مقترحات نظرية، خاصة أن غالبية الليبيين يريدون الحل الأمني في ظل ما تشهده مناطق عدة من فوضى أمنية.
أما الحديث عن أن الحل سياسي بحت في ظل غياب الضغط الشعبي، فقد عكس سلبية الليبيين وعدم وعيهم بدورهم الحقيقي، وأظهر أننا غير جاهزين للديمقراطية.
ولعل تجارب انتخاب المؤتمر الوطني في 2012 ومجلس النواب في 2014، والتي كانت فرصة لإنقاذ البلاد رغم المآخذ عليهما، وكذلك إفشال انتخابات 24 ديسمبر 2021، خير دليل على ضرورة إيجاد رؤية جديدة مبنية على جدية البعثة الأممية ومجلس الأمن في تنفيذ قراراتهما.
ويبقى خيار آخر، وهو أن يكون الحل من خلال تدخل أمريكي مباشر لإنجاز تسوية شاملة، في ظل توافقها مع روسيا والاتحاد الأوروبي، وقد يكون هذا الخيار أفضل الممكن حاليًا، خاصة في ظل انقسام الليبيين وقناعتهم بخلافاتهم التي لا تنتهي.
وبذلك تكون الأمم المتحدة قد فشلت فعليًا في القيام بدورها في ليبيا، ولم تعد قادرة على فرض مسار يؤدي إلى الاستقرار.
وهنا تأتي مبادرة المشير خليفة حفتر التي دعا فيها بوضوح إلى أن يكون الحل ليبيًّا – ليبيًّا، بعيدًا عن الوصاية والتدخلات الأجنبية.
وقد طرحها في عدة مناسبات وأكد عليها خلال لقاءاته الأخيرة مع القبائل والمناطق الليبية، مؤكدًا أن المصالحة الوطنية هي الطريق الوحيد لإنقاذ البلاد، وأن الإرادة والسيادة الليبية يجب أن تكون فوق كل اعتبار.
وهي مبادرة كل الليبيين أصحاب المصلحة الحقيقية في ليبيا، لأنها تعبّر عن تطلعات الشعب في استعادة قراره وسيادته، وإنهاء حقبة التبعية السياسية والجمود الدولي الذي لم يقدم شيئًا ملموسًا للبلاد.
في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا:
هل ستتمكن البعثة الأممية من إيجاد حل خلال هذا العام بعد أن فشلت في ذلك طوال السنوات الماضية؟
أم أن إثبات فشلها بات مجرد وقت… ينتظر لحظة الاعتراف الصريح بالواقع الليبي؟.



