اقتصاد

ليبيا: أزمة معيشية طاحنة تفتك بالمواطن رغم ثروات البلاد

انقسام السلطة وفساد الإدارة يتسببان في انهيار الاقتصاد الليبي.

ليبيا 24

ليبيا على حافة الهاوية: مواطنون يدفعون ثمن صراعات النخبة وفساد المؤسسات

طرابلس/بنغازي – (ليبيا 24) – بينما تستعد عائلات ليبية، بصعوبة بالغة، لاستقبال عام دراسي جديد وسط أزمة اقتصادية خانقة، تزداد حدة التساؤلات حول مصير دولة غنية تئن تحت وطأة انهيار معيشي غير مسبوق، في مشهد يلخص فشل الطبقة السياسية الحاكمة ويفرغ الجيوب ويذيب الآمال.

معاناة يومية: بين جنون الأسعار وصراع البقاء

في أسواق طرابلس، لا تحمل وجوه المتسوقين سوى ملامس القلق والإحباط. سلة الغذاء الأساسية أصبحت حلماً بعيد المنال للكثيرين. يقول أحمد التليسي، رب أسرة وأب لثلاثة أطفال، وهو يتفحص أسعار المواد الغذائية: “الرواتب ثابتة لكن الأسعار تطير كل يوم. الدولار في السوق السوداء هو من يحكمنا. كيف نستعد للمدرسة؟ كيف نأكل؟ نحن نعيش حالة رهيبة من عدم اليقين”.

تصف فاطمة عبد السلام، معلمة، الوضع بأنه “انتحار بطيء”. وتضيف في حديث لـ”ليبيا 24″: “راتبي بالدينار لم يعد يكفي لمواصلة واحدة فقط. كل مدخراتي التي جمعتها على سنوات تبخرت مع انهيار سعر الدينار. الحكومة تتحدث عن إصلاحات ونحن نرى فقط المزيد من الفقر”.

العودة إلى المدارس: كابوس يثقل كاهل الأسر

تحولت الاستعدادات للعام الدراسي من فرحة إلى كابوس مالي يهدد الكثير من الأسر. ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية والزي المدرسي والقرطاسية بنسب فاقت 300% في بعض المناطق، دفع بالعديد من الآباء إلى حالة من العجز.

“اشتريت لأطفالي دفاتر وكتباً مستعملة من العام الماضي. لم أعد أستطيع شراء زي جديد. هذا هو واقعنا المرير”، يقول محمد الفرجاني من مصراتة، موضحاً أن “الدولة غائبة تماماً عن المشهد، وكل همها صراعاتها على السلطة بينما نحن من ندفع الفاتورة من مستقبل أولادنا”.

الاقتصاد في غرفة الإنعاش: فساد وسوء إدارة

يحلل خبراء اقتصاديون الوضع الحالي على أنه نتيجة حتمية لسنوات من سوء الإدارة والفساد المؤسسي، وليس بسبب نقص في الموارد. ويشيرون إلى أن الاحتياطي النقدي لا يزال قادراً على دعم الاقتصاد لو وجدت الإرادة السياسية الحقيقية.

الدكتور إبراهيم الكزة، أستاذ الاقتصاد، يرى أن “المشكلة هيكلية في الأساس. هناك هدر فادح للمال العام، وسياسات نقدية غير مدروسة، وطباعة للعملة دون غطاء، مما أدى إلى تضخم جامح. المؤسسة الوطنية للنفط، وهي شريان الحياة، تعاني من فساد وإدارة غير كفؤة، والأموال المنصرفة عليها لا تتناسب مع مستوى الإنتاج”.

الأمن الغذائي على المحك: أزمة إنسانية تلوح في الأفق

تحذّر منظمات محلية من تداعيات خطيرة للأزمة الاقتصادية على الأمن الغذائي والصحي في ليبيا. وأظهرت تقارير حديثة ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة العائلات التي تعتمد على وجبة واحدة يومياً، فيما تراجعت جودة الغذاء بشكل كبير.

مسعودة الوافي، ناشطة في العمل الإنساني، تقول: “نشهد عودة لأشكال من الفقر لم نكن نتخيلها في ليبيا. هناك عائلات تعود إلى نظام التكافل الاجتماعي القديم، والبعض الآخر يضطر لبيع ممتلكاته للبقاء على قيد الحياة. هذا وضع إنساني بامتياز، والحكومة منشغلة بمصالحها”.

غياب الرؤية: انقسام سياسي يعطل أي أمل في الإصلاح

يؤكد مراقبون سياسيون أن استمرار الانقسام بين مؤسسات الشرق والغرب، رغم وجود حكومة وحدة وطنية اسمياً، هو العائق الرئيسي أمام أي إصلاح جذري. ويتم استخدام المؤسسات المالية، بما فيها المصرف المركزي، كأداة للصراع السياسي والتمويل،كأدوات لتحقيق الاستقرار.

الخبير السياسي خالد الطوير يقول: “الصراع في ليبيا تحول إلى صراع على موارد الدولة. كل جهة تسعى لتعزيز نفوذها المالي والسياسي، والمواطن هو الوقود الذي يغذي هذه الصراعات. لا يوجد مشروع دولة، بل هناك مشاريع شخصية وفئوية”.

الشارع الليبي: صبر ينفد وغضب متصاعد

في المقاهي والشوارع، لم يعد الغضب مكتوماً. العبارات التي تنتقد “حكومة الدبيبة” وجميع الأطراف السياسية أصبحت تسمع علناً. هناك إجماع متزايد على أن الطبقة السياسية بأكملها فشلت في تقديم أي حلول.

“كفى وعوداً كاذبة. نريد حياة كريمة”، هذا ما صاح به شاب في العشرينات من عمره فضل عدم ذكر اسمه أثناء تجمع عفوي في أحد شوارع طرابلس، مضيفاً: “نحن مع ليبيا، لكننا ضد كل من سرق مستقبلنا، من الشرق إلى الغرب. الثورة لم تكن من أجل هذا”.

خبير أمني: الانهيار الاقتصادي يهدد الاستقرار المجتمعي

يحذر الخبير الأمني مفتاح الشريف من أن استمرار التدهور المعيشي يمثل تهديداً مباشراً للأمن الوطني. ويقول: “الجوع والفقر هما وقود التطرف والجريمة المنظمة. عندما يعجز الإنسان عن توفير قوت يومه، يصبح عرضة للاستغلال من قبل الجماعات الإرهابية ومليشيات الجريمة. الدولة تغيب عمداً وتترك الفراغ لتملأه هذه القوى”.

ما هو الحل؟ مواطنون يطالبون بمحاسبة الفاسدين وإرادة حقيقية للتغيير

يبقى السؤال الملح: ما هو المخرج؟ المواطنون الذين التقتهم “شبكة الأخبار الليبية” يطالبون بمحاسبة جميع المسؤولين عن هدر المال العام، وتعيين كفاءات في إدارة المؤسسات الحيوية، ووضع حد للصراع على السلطة، ووضع استراتيجية اقتصادية واضحة تعيد بناء الثقة وتوفر الحد الأدنى من الحياة الكريمة.

اللبنة الأساسية لأي حل، كما يراه كثيرون، بداية من خلال توحيد المؤسسات النقدية والتنفيذية تحت إدارة كفؤة ونزيهة، ووقف نهب المال العام، والبدء فوراً في تنويع الاقتصاد لإنهاء التبعية شبه الكاملة للنفط.

في الختام، بينما تستمر لعبة الكراسي السياسية في طرابلس وبنغازي وغيرها، يبدو أن الصبر الشعبي الليبي يقترب من نهايته، في مشهد يعيد إلى الأذهان عبارات ثورة لم تنجح بعد في تحقيق أي من أهدافها، تاركة الشعب يدفع الثمن من عمره ورزقه ومستقبل أولاده.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى