ليبيا

انهيار طريق البيفي بطرابلس بين فساد إدارات الدبيبة وعجز ما تسمى مشاريع “عودة الحياة”

انهيار طريق البيفي يفضح مجددًا هشاشة الأعمال المنفَّذة

لم يكن انهيار طريق البيفي في تاجوراء مفاجئًا للناس بقدر ما كان صادمًا بما يكشفه من حقيقة التلاعب المتكرر بالبنية التحتية في طرابلس.

ففي كل مرة تهطل فيها الأمطار، تتعرّى وعود حكومة الدبيبة، وتغرق الطريق ذاتها التي قيل إنها صُيِّنت، وأُعيد تأهيلها، واستُنزفت لأجلها ميزانيات من مشاريع وهمية، تحت مسمى “عودة الحياة”.

لكن الحياة لم تعد، والطريق لم يصمد… بل بدا المشهد وكأنه إعادة مستمرة للفشل نفسه، في المكان نفسه، على حساب المال العام نفسه.

تحوّل خلال ساعات إلى بركة واسعة

طريق البيفي، الذي تحوّل خلال ساعات إلى بركة واسعة، سبق وأن خضع لصيانة متكررة خلال السنوات الأخيرة، وجرى تقديمه حينها كجزء من “نهضة عمرانية” و”إحياء للبنية التحتية”، غير أنّ انهياره مجددًا فضح هشاشة الأعمال المنفَّذة، وأعاد فتح الأسئلة التي يحاول كثيرون تجنبها:

كيف يمكن لطريق صُرف عليه أكثر من مرة أن يسقط بهذه السهولة؟.. ولماذا تتكرر الكارثة في منطقة جرى الترويج لإنجازات كبيرة فيها؟

ما حدث لا يمكن تفسيره فقط بالعوامل الجوية فالطرق التي تُصمَّم وفق المعايير، وتُبنى بمواد صحيحة، وتُراقَب بجِدّ، لا تنهار بعد أشهر قليلة، وما جرى في البيفي يشير بوضوح إلى أن هناك شيئًا مختلًّا في سلسلة التنفيذ.. إمّا مقاول غير مؤهل، أو إشراف هندسي غائب، أو عقود تُبرم بسرعة من أجل صور دعائية، أو فساد يجعل الطريق يبدو مجددًا من الأعلى، لكنه هشّ من الداخل.

الأهالي في تاجوراء لم يعد يهمّهم عدد مرات الإعلان عن الصيانة، فهم يرون بأعينهم أن الطريق تعود إلى نقطة الصفر مع كل موجة مطر، الشعور اليوم يتجاوز الغضب، ليصل إلى الإحساس بأن المال العام يُهدر بلا رقيب، وأن مشروع “عودة الحياة” تحوّل في نظر كثيرين إلى “عودة الأعطال” بدل أن يكون خطوة نحو تحسين الخدمات.

وليس انهيار طريق البيفي حدثًا منفصلاً ، بل يأتي ضمن سلسلة طويلة من مشاريع مشابهة: طرق تُعبد ثم تُعاد، شبكات تصريف تُعلن ثم تغرق، وأرصفة تُجدّد ثم تتشقق، في مشاهد توحي بأن العمل لا يجري وفق حاجة الناس أو معايير السلامة، بل وفق إيقاع سياسي وإعلامي يسبق الواقع بكثير.

إن حادثة البيفي ليست مجرد فشل هندسي، بل مؤشر على خلل في منظومة كاملة في منظومة تحتاج إلى كشف ملفاتها، ومراجعة عقودها، ومحاسبة من وقّع ونفّذ واستلم..فالأموال التي تُصرف باسم التنمية هي أموال الناس، وحقّهم أن يروا أثرها حقيقيًا، لا تسجيلًا في بيان، ولا لافتة على طريق تغرق بعد أسبوع.

اليوم، يقف طريق البيفي شاهدًا على أن “عودة الحياة” لم تكن حياة، بل عمليات ترقيع متكررة تذوب مع أول مطر، وما لم تُفتح ملفات الصيانة وتتضح الحقائق، سيظل الطريق يغرق… وستغرق معه الثقة في أي مشروع حكومي يعلن دون شفافية أو مساءلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى