محادثات سرية بين الدبيبة وترامب تقايض الأموال الليبية بالنفوذ الأميركي
ليبيا على طاولة المساومات: ثروات مجمدة، وملفات خطرة تُناقَش خارج الشرعية
عبدالعزيز الزقم – ليبيا 24
• اندبندنت عربية تكشف لقاءات جمعت إبراهيم الدبيبة بمسؤولين أميركيين.
• ملفات أمنية واقتصادية “خطيرة” نوقشت دون أي تفويض شعبي أو تشريعي.
• جهود لإطلاق 40 مليار دولار من أموال ليبيا المجمدة دون رقابة وطنية.
• مطالب أميركية بالحصول على 15 مليار دولار مقابل عودة الاستثمار.
• ترمب قد يطلب “تعويضًا” عن إسقاط القذافي ومقايضة المال بالديون.
• مخاوف من صفقات تسليح أميركية لحكومة منتهية الولاية.
• مقترحات لتوطين لاجئين فلسطينيين في ليبيا مقابل صفقات سياسية.
• خطر حقيقي على السيادة الوطنية وسط غياب أي مؤسسات رادعة.
ليبيا في مهب الصفقات: عندما تتحول الأوطان إلى أوراق تفاوض
ليست المرة الأولى التي يُدفع فيها الشعب الليبي ثمن صفقات تُطبَخ في الغرف المغلقة، لكن ما كشفته صحيفة “اندبندنت عربية” مؤخرًا عن محادثات جمعت إبراهيم الدبيبة، مستشار الأمن القومي في حكومة الدبيبة المنتهية الولاية، بمسؤولين أميركيين يتقدمهم مسعد بولس، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يُنذر بأننا أمام مرحلة جديدة من العبث بمستقبل وطن، دون أن يكون لليبيين فيها رأي أو موقف أو حتى معرفة مسبقة.
فبينما تزداد التحركات المسلحة في طرابلس، وتشتعل التوترات في المنطقة الغربية، تجري محادثات خلف الستار تمس ثروات الليبيين وأمنهم السياسي والاقتصادي، دون أي تفويض قانوني، أو سند دستوري، أو رقابة من مؤسسة تشريعية واحدة. اللقاءات التي تحدثت عنها “اندبندنت عربية”، إن صحت، ليست مجرد اتصالات دبلوماسية روتينية، بل مغامرة سياسية بأثمان باهظة، وعلى حساب الشعب الليبي وحده.
الدبيبة وترامب.. ماذا وراء اللقاء المؤجل؟
وفقًا لما أوردته الصحيفة، كان من المقرر أن يُعقد لقاء مباشر بين عبدالحميد الدبيبة والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، قبل أن يتم إلغاء الاجتماع في اللحظة الأخيرة.
لكن الإلغاء لا يعني غياب التواصل. فالمحادثات استمرت، وشارك فيها إبراهيم الدبيبة، الذي بدا وكأنه يحمل ملفات دولة بأكملها دون أي صفة سيادية تخوله ذلك.
المقلق هنا ليس فقط غياب الشفافية، بل طبيعة المواضيع التي تم التطرق إليها، بدءًا من مستقبل الاستثمارات، وصولًا إلى مصير الأموال الليبية المجمدة في الخارج، وهي أصول سيادية تمثل عصب الاقتصاد الوطني.
40 مليار دولار.. بلا موافقة ولا رقابة
أشارت الصحيفة إلى أن ممثلي حكومة الدبيبة سعوا لإقناع الجانب الأميركي بالإفراج عن ما يقارب 40 مليار دولار من الأموال الليبية المجمدة، دون إشراف مؤسسي أو قرار من البرلمان أو المصرف المركزي.
الأسوأ أن الولايات المتحدة، وفق المصدر، اشترطت الحصول على 15 مليار دولار مقابل العودة إلى السوق الليبية، في صفقة لا تختلف عن “شراء السيادة على أقساط”.
أن يُناقش مصير ثروة بهذا الحجم في غرف مغلقة، من قبل حكومة منتهية الولاية، دون الرجوع إلى الشعب أو ممثليه، يعد قمة الانحدار السياسي.
إن أي تفاهم يتم بهذه الطريقة لا يمثل إرادة الليبيين، بل يعد سرقة موصوفة باسم “الاستثمار” و”الدعم الدولي”.
الدفع مقابل الحماية.. وعقود تسليح
مستشارون مقربون من دوائر صنع القرار في واشنطن، وفق “اندبندنت عربية”، تحدثوا عن توجه ترمب للربط بين عودة الولايات المتحدة إلى الساحة الليبية وبين مكاسب مالية محددة.
من بينها تعويضات عن “تدخل 2011” الذي أسقط النظام في ليبيا. بل يُطرح احتمال الإفراج الجزئي عن الأموال الليبية مقابل تحويل جزء منها إلى الخزانة الأميركية، أو تسوية مباشرة مع وزارة الدفاع الأميركية.
كما يتحدث المصدر عن صفقات تسليح قد تُفرَض على الحكومة الليبية، كشرط من شروط الانخراط الأميركي، ما يعني مزيدًا من التورط في شبكات السلاح، ومزيدًا من التمويل غير الشفاف في دولة يعاني سكانها من انقطاع الكهرباء وغياب الرواتب وغياب الأمن الغذائي.
صفقات التوطين والهجرة: ليبيا ليست ملعبًا لأحد
من أكثر ما يثير القلق، بحسب تقرير الصحيفة، طرح فكرة “إعادة توطين لاجئين فلسطينيين من غزة في ليبيا” كمقترح قُدّم عبر حكومة الدبيبة. هذا الأمر، إن ثبت، يتجاوز حدود العبث السياسي، ويمس النسيج الوطني والاجتماعي للبلاد، ويحوّل ليبيا إلى أرض تفاوض لمشاريع توطين تخدم أجندات غير ليبية، بينما تتنصل الحكومة من أدنى مسؤولية في حماية سيادة البلاد.
ليس هذا فقط، بل تطرقت المحادثات إلى ملف الهجرة غير النظامية، إذ تشير المصادر إلى احتمال مطالبة الولايات المتحدة باستقبال بعض المهاجرين غير الشرعيين الموجودين على أراضيها في ليبيا، ضمن اتفاق اقتصادي أو أمني مشروط.
بهذا، تتحول ليبيا من دولة ذات سيادة إلى “مكب بشري” لكل الأزمات الدولية.
متى تتوقف المقايضة باسم الشعب؟
المحزن في المشهد الليبي أن كل الأطراف تتحدث باسم الشعب، دون أن تسأله. حكومة تستجدي الشرعية من الخارج، ومليشيات تفرض وجودها بالسلاح، وتحالفات دولية تبحث عن “حصة” في بلد لم يتعافَ بعد من جراحه.
الدولة الليبية لم تُبنَ بعد، ومع ذلك تُباع ممتلكاتها، وتُرسم سياساتها الخارجية في مكاتب أجنبية، هل يعقل أن تُصرف مليارات الشعب الليبي، دون أن يُستشار؟ هل يُعقل أن تُفتح أبواب البلاد للتوطين والهجرة والديون والتسليح، دون أن تمر عبر برلمان منتخب، أو عبر استفتاء شعبي؟
ما الحل؟
الحل يكمن في تجميد كافة التفاهمات التي أُبرمت أو تُبرم خارج الشرعية الدستورية، وربط أي انفتاح سياسي أو اقتصادي على ليبيا بقيام حكومة شرعية، تُنتخب من الشعب أو تنبثق عن مبادرة دولية توافقية، بإشراف الأمم المتحدة، وبشراكة من دول صديقة .
ليبيا ليست ورقة مساومة، ولا يمكن أن يُبنى المستقبل على طاولات المساومة بين أطراف لا تمثل الشعب، ولا تحترم سيادته.
تُختصر مأساة ليبيا اليوم في كلمة واحدة: الغياب. غياب الدولة، غياب المؤسسات، غياب الشفافية، وغموض النوايا.
ما أوردته “اندبندنت عربية” ليس سيناريو خياليًا، بل إشارات واقعية على أن القرار الوطني يُغتال ببطء، وأن الثروات الوطنية تتحول إلى سلعة تُباع في صفقات سياسية مشبوهة.
الشعب الليبي يستحق أكثر من ذلك. يستحق دولة تحميه، لا تبيعه، قيادة تمثله، لا تتحدث باسمه في العواصم دون إذنه، مشروعًا وطنيًا حقيقيًا، لا سلسلة تفاهمات مهينة تُدار خلف الأبواب المغلقة.



