ليبيا

ليبيا: أزمة إنسولين تهدد حياة مرضى السكري منذ عقود

ليبيا.. أزمة إنسولين مزمنة تهدد حياة الآلاف بسبب إدارات متعاقبة "فاشلة"

إدارة صحية متدهورة تسبب نقصاً كارثياً في أدوية السكري

ليبيا 24

مسؤول صحي سابق يكشف: الأزمة بدأت منذ 1996 وتفاقمت بعد رحيل “الرجل القوي” للملف

كشف رئيس الهيئة الوطنية للسكري في ليبيا، عوض القويري، النقاب عن أزمة صحية إنسانية تهدد حياة آلاف المرضى، خاصة الأطفال، بسبب النقص الحاد والمزمن في أدوية الإنسولين، معتبراً أن جذور الأزمة تمتد لسوء إدارة استمر لعقود.

إدارة فاشلة وفوضى مستمرة

في تصريحات تلفزيونية كاشفة، ألقى القويري باللوم على “سوء إدارة مستمر منذ سنوات طويلة” كسبب رئيسي لأزمة نقص الإنسولين التي تعم جميع المدن الليبية الكبرى والصغرى. وأكد أن “الجميع مسؤول عن تفاقم هذه الأزمة الوطنية”، نافياً ارتباطها بفترة زمنية محددة أو بشخص واحد.

وأوضح أن المشكلة ليست وليدة اللحظة، بل إن تداعياتها مستمرة منذ عام 1996، مما يسلط الضوء على فشل متواصل في القطاع الصحي عبر إدارات متعاقبة.

وأشار القويري إلى أن نقص الإنسولين ليس معزولاً، بل “يشمل جميع الأدوية الحيوية”، مردفاً أن السبب الرئيسي هو “الإدارة غير الفاعلة التي خلقت فوضى مستمرة في القطاع الصحي”.

عصر ذهبي وانهيار مريع

قدم القويري تشخيصاً دقيقاً لسبب الانهيار، مقارنة بين واقع الحال اليوم وعصر “الإدارة القوية” السابقة.

وكشف أنه في الماضي، وتحديداً عندما كان الدكتور عثمان الكاديكي يشرف شخصياً على ملف استيراد الإنسولين، كان الدواء متوفراً في مواعيده بانتظام بفضل “التزامه المهني وشخصيته القوية”.

ولكن المنظومة انهارت وفقاً للقويري بعد أن تخلى الكاديكي عن منصبه، ما أدى إلى فراغ إداري وسلسلة من الإخفاقات المتتالية ساهمت بشكل مباشر في تفاقم الأزمة الحالية التي تهدد الأرواح.

تهديد مباشر لحياة الأطفال

حذر القويري من تداعيات إنسانية خطيرة، خاصة على فئة الأطفال المصابين بالنوع الأول من السكري.

 وأوضح أن النقص لا يقتصر على الإنسولين التقليدي فقط، بل يشمل أيضاً الأنواع الحديثة مثل الإنسولين النظير (الأقلام)، الذي يعتبر ضرورياً للحفاظ على استقرار مستوى السكر في الدم لدى الأطفال.

وشدد على أن حياة هؤلاء الأطفال تواجه “تهديداً مباشراً” نتيجة “البطء الإداري” في توريد الدواء، مما يضع مسؤولية أخلاقية وقانونية على عاتق الجهات المعنية.

تعقيدات إدارية تقتل المرضى

أرجع القويري سبب التأخير في وصول الإنسولين إلى “التعقيدات الإدارية”، خاصة في عمليات توقيع العقود وإنهاء محاضر الترسية. ووصف النظام الحالي بأنه معقد ويتطلب تدخل جهات متعددة مثل الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة والمصرف المركزي.

ولفت إلى مفارقة صارخة، حيث أن هذه الإجراءات نفسها يمكن إنجازها في دول أخرى خلال ثلاثة أيام فقط، بينما تستغرق شهوراً في ليبيا، داعياً إلى “تبسيط الإجراءات مع الحفاظ على الرقابة والشفافية” لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

أرقام مرعبة وبيانات غير دقيقة

كشف القويري عن بيانات صادمة حول واقع مرض السكري في ليبيا، مشيراً إلى أن البيانات الصادرة عن الاتحاد الدولي للسكري “غير دقيقة”. فقد أظهرت دراسة أعدتها الهيئة الوطنية بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية أن نسبة انتشار السكري في ليبيا تصل إلى 17.9%، وهي نسبة أعلى بكثير من التقديرات السابقة التي بلغت 10%.

وأضاف أن نحو 35% من المصابين لا يلتزمون بالعلاج أو لم يتم تشخيصهم بعد، ما يزيد من خطورة الوضع الصحي ويضاعف من احتمالات حدوث مضاعفات قد تصل إلى الوفاة.

ثقافة صحية غائبة وإقالة غامضة

أشار القويري إلى عامل آخر ساهم في تفاقم الأزمة، وهو “غياب التثقيف الصحي الرسمي” منذ العام 2000، إلى جانب “سوء إدارة الموارد الصحية”.

ورغم أن كلية الصحة العامة في بنغازي بدأت تخريج دفعات جديدة من المثقفين الصحيين، إلا أنهم “لا يستطيعون سد الفجوة الناتجة عن عقود من الإهمال”.

وفي كشف مثير، أعلن القويري أن مناشداته عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، والتي تضمنت رسائل استغاثة من أطفال ونساء وكبار السن، لم تلقَ استجابة سريعة.

والأكثر إثارة للاستغراب، أن هذه المناشدات كانت السبب وراء إقالته من مركز السكري في بنغازي بقرار من رئيس الحكومة الليبية.

وتأكيداً منه على نزاهته، أكد القويري أن إقالته لم تكن نتيجة “أي فساد أو سوء تصرف”، بل كانت نتيجة “سعيه المستمر لتحسين الوضع الصحي للمرضى”.

خريطة طريق للحل

في محاولة للأمل، أعلن القويري أن الهيئة الوطنية للسكري بدأت بوضع “خطة مفصلة” لمعالجة الأزمة، بالتنسيق مع الجهات المعنية لضمان سرعة التنفيذ، ومتابعة الإجراءات القانونية لتسريع توريد الأدوية، مع التأكيد على التعاون المستمر مع الشركات الدولية.

واختتم تصريحاته بتأكيد “أهمية التحرك السريع لمعالجة الأزمة وحماية حياة الأطفال والمرضى”، محذراً من أن “الموضوع حساس وخطير جداً”، ويجب معالجته “بشكل عاجل” قبل فوات الأوان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى