ليبيا

ليبيا في قلب التحول الإقليمي: مناورات “بحر الصداقة” المصريّة – التركيّة تفتح آفاقاً جديدة للاستقرار

أنقرة والقاهرة تفتتحان صفحة جديدة وتعززان الاستقرار في ليبيا

ليبيا 24

مصر وتركيا تطلقان مناورات “بحر الصداقة” بعد قطيعة 13 عامًا.

مشهد متغير على أعتاب السواحل الليبية

في تطور يحمل دلالات إقليمية عميقة، انطلقت يوم الاثنين 22 سبتمبر 2025 مناورات “بحر الصداقة” العسكرية البحرية والجوية المشتركة بين مصر وتركيا في شرق البحر المتوسط، وهي الأولى من نوعها منذ عام 2013. هذه المناورات، التي تستمر حتى 26 سبتمبر، لا تمثل مجرد تنسيق عسكري تقني، بل هي إعلان عملي عن مرحلة جديدة من العلاقات بين قوتين إقليميتين رئيسيتين، تلامس مصالحهما الحيوية مباشرة في ليبيا.

بالنسبة للمواطن الليبي، الذي ظل لسنوات يشهد تداعيات التنافس الإقليمي على أرضه، يمثل هذا التحول نبأً مشجعاً قد يُفضي إلى دفع العملية السياسية وترسيخ أسس الاستقرار، انطلاقاً من إيماننا الراسخ بأن أمن ليبيا واستقرارها هو ركيزة أساسية لأمن المنطقة بأسرها.

فصل جديد في العلاقات: من التنافس إلى البراغماتية البناءةشهدت العلاقات بين القاهرة وأنقرة توتراً حاداً على مدى عقدٍ كامل، تباينت فيه المواقف تجاه عدد من الملفات الإقليمية، وكان الملف الليبي في صدارة تلك الملفات.

حيث دعم كل طرف جهة سياسية وعسكرية مختلفة في المشهد الليبي المعقد، مما عمق من حالة الانقسام وأثّر على مسارات الحل السياسي.غير أن المتغيرات الإقليمية والدولية، والرغبة المشتركة في تحقيق الاستقرار وحماية المصالح الوطنية للدولتين، دفعتا نحو إعادة تقييم العلاقات.

بدأ هذا المسار مع اتفاق إعادة تعيين السفيرين في عام 2023، ليتواصل عبر سلسلة من الزيارات الرسمية رفيعة المستوى، توجت بالمصافحة التاريخية بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان.

يقول الخبير في الشؤون الاستراتيجية د. أحمد الفيتوري: “ما نشهده اليوم هو تحول من منطق الصراع والصفرية إلى منطق البراغماتية وإدارة الخلافات. القاهرة وأنقرة تدركان أن التنافس غير المحدود في ليبيا لم يعد مجدياً، وأن المخاطر المشتركة، خاصة مع استمرار حالة عدم الاستقرار، أكبر من أي خلاف. المصالح الاقتصادية، خاصة في مجال الطاقة بشرق المتوسط، كانت أيضاً محفزاً قوياً لهذا التقارب”.

مناورات “بحر الصداقة”: الأبعاد العسكرية والرسائل السياسيةوفقاً للبيانات الرسمية، تشمل المناورات مشاركة وحدات بحرية وجوية متطورة من الجانبين. من الجانب التركي، تشارك الفرقاطتان “TCG Oruçreis” و”TCG Gediz”، وزورقا دوريات سريعان، وغواصة، وطائرتا مقاتلة من طراز F-16. بينما يشارك من الجانب المصري وحدات بحرية مماثلة في القدرات. وستشمل التدريبات عمليات البحث والإنقاذ، ومكافحة القرصنة، ورفع مستوى التوافق التشغيلي بين الأسطولين.

لكن البعد الأهم يتجاوز الجانب التكتيكي. فمتابعة كبار قادة القوات البحرية من البلدين ليوم مراقبة رفيع المستوى في 25 سبتمبر، يؤكد الطبيعة السياسية الاستثنائية لهذه المناورات.في هذا الصدد، يوضح خالد الزوي، المحلل العسكري، أن “هذه المناورات رسالة موجهة داخلياً وإقليماً. داخلياً، لتأكيد متانة العلاقة الجديدة بين الجيشين.

وإقليمياً، لإظهار أن هناك تحالفاً إقليمياً جديداً في طور التكوين، قادر على لعب دور في حفظ التوازنات، خاصة في الحيز الجغرافي الحيوي لليبيا وهو البحر المتوسط. بالنسبة لليبيا، فإن أي تنسيق بين هاتين القوتين يعني بالضرورة تقليص مساحة الصراع بالوكالة على أراضينا، وهو أمر إيجابي”.

الملف الليبي: من ساحة صراع إلى رهان استقرار مشتركلطالما مثلت ليبيا الحلقة الأضعف في الصراع الإقليمي، حيث انعكست خلافات القوى الإقليمية على الأرض الليبية بشكل مباشر، مما عمق الأزمة وأبعد إمكانية تحقيق السلام. اليوم، يبدو أن هناك إدراكاً متزايداً في القاهرة وأنقرة بأن استقرار ليبيا هو مصلحة استراتيجية عليا للجميع.

الدعم المتوازن للعملية السياسية التي يقودها الليبيون بأنفسهم، بدلاً من دعم أطراف ضد أخرى، هو المخرج الوحيد من المأزق الحالي. هذا التقارب المصري التركي يمكن أن يخلق بيئة أكثر ملاءمة لدفع الأطراف الليبية نحو التسوية السياسية، تحت مظلة الأمم المتحدة.منى القمودي، الناشطة في المجتمع المدني، ترى أن “المواطن الليبي يتطلع إلى أن يتحول هذا التقارب إلى سياسات ملموسة على الأرض. أن يتوقف دعم الميليشيات، وأن يتم تحويل هذه الطاقة نحو دعم مؤسسات الدولة الليبية الموحدة، وليس تعزيز الانقسام. نحن نريد أن تكون ليبيا جسراً للتعاون بين جيرانها، لا ساحة لتصفية حساباتهم”.التعاون الدفاعي الاستراتيجي: من المناورات إلى التصنيع المشتركالتعاون العسكري بين مصر وتركيا لا يقف عند حدود المناورات المشتركة. فقد شهدت الفترة الماضية توقيع اتفاقيات هامة في مجال التصنيع الدفاعي، أبرزها الاتفاق الموقع في أغسطس الماضي بين الهيئة العربية للتصنيع في مصر وشركة “هافيلسان” التركية للتصنيع المشترك للطائرات المسيرة ذات الإقلاع والهبوط العمودي.هذا التعاون يمنح الشراكة بين البلدين بُعداً استراتيجياً طويل الأمد، ويتجاوز مفهوم التمرينات المؤقتة إلى شراكة صناعية دفاعية تخدم الأمن القومي للدولتين، ويمكن أن تمتد فوائدها لاحقاً إلى ليبيا في مرحلة ما بعد الاستقرار، عبر تعزيز قدرات مؤسساتها الأمنية.المشهد الإقليمي المتوتر: المناورات في سياقها الأوسعلا يمكن فصل هذه المناورات عن السياق الإقليمي المتشابك والمتوتر.

التصعيد في غزة، والتحركات الإسرائيلية في البحر الأحمر وشرق المتوسط، كلها عوامل تدفع القوى الإقليمية المعتدلة إلى تعزيز تنسيقها لمواجهة التحديات المشتركة ودرء المخاطر.في هذا الإطار، فإن إرسال رسالة قوية مفادها وجود قوتين عسكريتين رائدتين قادرتين على العمل سوياً لضمان أمن وسلامة الملاحة البحرية وحماية المصالح الحيوية، يمثل رادعاً لأي قوى قد تسعى إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة.مستقبل واعد بشرط أن ينعكس على الأرض الليبيةتمثل مناورات “بحر الصداقة” منعطفاً تاريخياً في العلاقات المصرية التركية، وتحمل في طياتها بشارة أمل للمواطن الليبي الذي أنهكته سنوات من الصراع.

النجاح الحقيقي لهذا التقارب سيقاس بمدى قدرته على ترجمة هذه الخطوات العسكرية والدبلوماسية إلى سياسات داعمة للاستقرار في ليبيا، عبر دعم الحل السياسي الشامل الذي يلي إرادة الليبيين، واحترام سيادة ليبيا ووحدة أراضيها، والمساهمة في بناء مؤسسات الدولة الليبية الفاعلة والقادرة على حماية أمن مواطنيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى