الفيتوري: سحب العملة بمهلة قصيرة يضر بالمواطنين
خبير اقتصادي يحذر: تعويم الدينار يهدد باستقرار ليبيا
ليبيا 24:
سحب العملة وضريبة الصرف يثيران أزمة ثقة في الاقتصاد الليبي.. وخبير يحذر من تداعيات خطيرة
في تطور يزيد من الأعباء المعيشية على المواطن الليبي، أثار قرار مصرف ليبيا المركزي بسحب ورقتَيْ العشرين والخمسة دينار من التداول، وتساؤلات حول ضريبة بيع العملة الأجنبية، موجة من القلق والانتقادات بين الخبراء الاقتصاديين والمواطنين على حد سواء.
ويأتي هذا في وقت يشهد فيه الاقتصاد الليبي حالة من الهشاشة بسبب استمرار الانقسام السياسي وتراجع موارد النقد الأجنبي.
مهلة قصيرة ومواطنون غاضبون
وصف الدكتور عطية الفيتوري، أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي، المهلة التي منحها البنك المركزي لسحب الورقتين النقديتين بأنها “قصيرة” و”غير كافية”، مما أثر سلباً على قدرة شريحة واسعة من المواطنين على الوصول إلى المصارف لاستبدال ما بحوزتهم من أوراق نقدية قبل انتهاء المهلة في 30 سبتمبر.
وقال الفيتوري في تصريحات تلفزيونية رصدتها ليبيا 24: “المهلة الممنوحة هذه المرة كانت أقصر بشكل ملحوظ من تلك التي مُنحت سابقاً لسحب فئة الخمسين دينار.
هذا التوقيت المحدود تسبب في صعوبات حقيقية، خاصة للفئات الأكثر احتياجاً مثل صغار المدخرين وأولئك المقيمين في المناطق النائية الذين يعانون أساساً من صعوبة في الوصول إلى الخدمات المصرفية.”
وأضاف أن العديد من المواطنين واجهوا الظروف نفسها، إما بسبب ظروفهم الشخصية أو عدم علمهم المسبق بالقرار، مما يعرض مدخراتهم المكتوبة بتلك الفئات لعدم الاستبدال.
تساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء السحب
وعلى الرغم من أن السبب الرسمي الذي أعلنه البنك المركزي لسحب الورقتين هو “شبهات تزوير”، إلا أن الفيتوري كشف عن مفارقة مهمة، قائلاً: “لم تُسجل أي حالات تزوير مؤكدة داخل المصارف الليبية هذا الأمر يفتح الباب لتساؤلات مشروعة حول الدوافع الحقيقية الكامنة وراء هذا القرار المتسارع.”
وأوضح أن الإصدارات السابقة لهاتين الفئتين تمت من مصدرين مختلفين، أحدهما في العاصمة طرابلس والآخر في مدينة البيضاء، مما قد يشير إلى وجود اختلافات تقنية أو إدارية بين الإصدارين شكلت دافعاً غير معلن لعملية السرح الحالية.
نداء عاجل: تمديد المهلة أسبوعين
دعا الفيتوري البنك المركزي إلى الاستجابة السريعة للوضع الطارئ ودراسة تمديد مهلة السحب لمدة أسبوعين إضافيين، محذرًا من أن عدم الاستجابة لمثل هذا النداء سيفتح الباب أمام موجة من الشكاوى والمظالم من المواطنين الذين فاتتهم المهلة، مما قد يزيد من حالة الاحتقان الاجتماعي.
فرصة للإصلاح الهيكلي واستعادة الثقة
ورأى الخبير الاقتصادي أن المرحلة الحالية، رغم تحدياتها، تمثل فرصة تاريخية للمصرف المركزي لبدء إصلاحات هيكلية جذرية.
وقال: “بعد اكتمال عملية جمع واستبدال العملة المتداولة، يجب أن تكون هذه الإجراءات نقطة انطلاق حقيقية، ليس فقط لاستعادة الثقة في الدينار الليبي، بل لتعزيز قدرة البنك المركزي على فرض سيطرته على السوق الموازي للعملة، والذي يشكل أحد أهم مصادر عدم الاستقرار الاقتصادي.”
ضريبة العملة الأجنبية: “وهمية” و”معيقة”
وفي ملف آخر شائك، تطرق الفيتوري إلى موضوع ضريبة الـ 15% المفروضة على بيع العملة الأجنبية، مؤكداً أنه كان معارضاً لها منذ البداية ووصف المبررات التي قدمها محافظ المصرف المركزي السابق لفرضها بأنها “وهمية”.
وأوضح قائلاً: “الضريبة بنسبة 15% على الدولار، بالإضافة إلى العمولة التي تصل إلى 7% التي تحصل عليها مكاتب الصرافة، تشكل عبئاً مضاعفاً يزيد من تكلفة المعاملات على المواطن والباحث عن العملة لأغراض علاج أو دراسة.
هذه التكاليف الإضافية تنتقل تلقائياً إلى الأسعار في السوق المحلية، مما يزيد من معدلات التضخم ويضرب القوة الشرائية للمواطنين.”
معضلة التشريع والآليات
وأشار الفيتوري إلى أن الضريبة فُرضت بقرار من مجلس النواب، وبالتالي فإن البنك المركزي لا يملك صلاحية إلغائها بشكل منفرد ومع ذلك، أكد أنه يمكن للبنك المركزي تعديل آليات بيع العملة الأجنبية لتخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين.
وقال: “من الممكن مثلاً التوجه نحو نظام البيع المباشر للعملة عبر المصارف التجارية دون فرض هذه العمولات الإضافية الباهظة، أو إعادة هيكلة آلية التوزيع لضمان وصول الدولار بأسعار معقولة للفئات التي تحتاجه حقاً.”
الهدف الحقيقي: تمويل الميزانية أم تقليص الطلب؟
وتساءل الفيتوري عن الهدف الاستراتيجي الحقيقي من وراء فرض هذه الضريبة مضيفًا: “إذا كان الهدف هو تمويل عجز في الميزانية، فهذه طريقة غير مباشرة وذات تكلفة اجتماعية عالية.
وإذا كان الهدف هو تقليص الطلب على الدولار، فإن هذه السياسة أثبتت عدم فعاليتها، لأنها لا تؤثر على كبار المستفيدين وأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة الذين يجدون طرق للالتفاف حولها، بينما تتحمل فئات محدودي الدخل وذوي الاحتياجات الأساسية العبء الأكبر.”
وحذر من أن استمرار هذه السياسة لا يؤدي إلا إلى تعزيز سطوة وقوة السوق الموازي، الذي يقدم أسعاراً أكثر جذباً رغم مخاطره، مما يستنزف الاحتياطيات الرسمية من النقد الأجنبي على المدى الطويل.
سعر الصرف: بين الثبات والتعويم.. ومخاطر “الربكة غير العادية”
وفيما يخص الجدل الدائر حول سعر صرف الدينار مقابل الدولار، شدد الفيتوري على ضرورة أن تكون العلاقة بين العملتين “واضحة وثابتة ومحددة من قبل المصرف المركزي”، بعيداً عن التشوهات التي تخلقها الضرائب والرسوم الإضافية.
ورداً على الدعوات المطالبة بتعويم الدينار، وصف الفيتوري هذه الدعوات بأنها “غير واقعية” في ظل الظروف الحالية للاقتصاد.
وقال: “التعويم الحقيقي يتطلب شروطاً أساسية غير متوفرة في ليبيا حالياً، أبرزها وجود مصادر متعددة ومتنوعة للنقد الأجنبي، ووجود سوق صرف آجل ينظم المعاملات المستقبلية، بالإضافة إلى وجود مؤسسات مالية قوية وقادرة على امتصاص الصدمات.”
احتكار العملة الصعبة يمنع التوازن الحقيقي
وأوضح أن الاحتكار المطلق للعملة الصعبة من قبل البنك المركزي، الناتج عن تراجع إيرادات النفط بسبب الظروف السياسية، يمنع تحقيق توازن حقيقي بين قوى العرض والطلب في سوق العملة.
وقال: “في ظل هذا الاحتكار، أي حديث عن تعويم حقيقي هو مجرد وهم والنتيجة ستكون تخبطاً في الأسعار وعدم استقرار.”
تحذير من “ربكة غير عادية”
وحذر الفيتوري من أن أي محاولة لتعويم الدينار في الأوضاع الحالية قد تسبب ما وصفه بـ “ربكة غير عادية” في الأسواق، تتطلب تدخلاً مستمراً ومكلفاً من البنك المركزي نفسه لضبط الأسعار، دون أي ضمانات لتحقيق استقرار فعلي.
وختم بالقول: “ضعف المؤسسات المالية، وغياب التعدد في مصادر النقد الأجنبي، وعدم وجود بنية تحتية لسوق مالي فعال، كلها عوامل تجعل من تطبيق سياسة التعويم أمراً غير ممكن إطلاقاً في ليبيا في الوقت الراهن.
الأولوية الآن يجب أن تكون لتحقيق الاستقرار السياسي، وإعادة بناء المؤسسات، وخلق بيئة اقتصادية منتجة، كمدخل حقيقي لأي إصلاح نقدي طموح في المستقبل.”



